البارحة وخلال قيامي بإعداد بعض المخبوزات، وبينما كنت «أعجن» وأستمتع بالاستماع لبعض الوثائقيات والبرامج عن الريادة لفتني العدد الكبير من الشباب والشابات الأردنيين الذين اتخذوا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حاضنة لإبداعهم الذين كرموا في كلتا الدولتين فيما نشر عن الكثيرين منهم على يد مرجعيات عالمية كفوربس، إنك، وغيرها في حين لم نسمع قبلًا عن إنجازهم منقطع النظير والذي لم يقابل بتغطية إعلامية محليًا إلا بعد تفوقهم عالميًا. بينلوبي شهاب ريادية أردنية تولت شركتها skinue تغطية ورعاية واحد من أهم البرامج الترفيهية في الولايات المتحدة الأمريكية وهوليوود حيث ظهرت على السجادة الحمراء في خلال الترويج للموسم الجديد وقد ظهرت خلفها العلامة التجارية «الفخمة» التي كانت قد بنتها نتيجةً للأبحاث والدراسات التي أجرتها على الجَمَل وتأثير مكونات سوائله تجميليًا على البشرة.
بينلوبي التي أطلقت عشرات العلامات التجارية الأخرى من خلال برنامج اصرف لدعم ريادة الأعمال، حطت بها الرحال أخيرًا في زيارة تاريخية لجريدة نيويورك تايمز الأسبوع المنصرم وانضمامها قبلًا لشبكة إنديفر العالمية.
حسام حمو مؤسس شركة طماطم للألعاب واحدة من أكبر شركات الألعاب في الشرق الأوسط وأول موقع تواصل اجتماعي في العالم والذي بيع لصالح علامة أقل ما يقال عنها إنها نقشت معايير الريادة وهي شركة مكتوب.
خلال تمعني في نقاط الشبه بين قصة نضوج نجاح بينلوبي على عناقيده، وبين نماذج أخرى أقل ما يقال عنها إنها نبوءة في عالم ريادة الأعمال أصبحت حقيقة، وجدت أن التشابه بينها كان الفكرة التي خرجت في تطبيقها عن المألوف، حيث قام مؤسسو تلك الشركات الريادية بما يسمى بالطفرة!
يوسف وادي من مهندسٍ عبقريّ عمل لدى أكبر العلامات التجارية كنوكيا، ومكتوب، إلى شريك مؤسس في أكبر وأنجح العلامات التجارية المحلية كطقس العرب إلى أفكار خارجة عن الصندوق لتنمية المرأة كشريكة فعالة في الريادة في تطبيق بالفرن وحتى حطت به الرحال لنستروم الشركة التي بإنشائها أطلقت العنان لريادة حقّة في عالم التكنولوجيا الزراعية، إلى أن أصبح مستشارًا في مجلس رفيع المستوى للحكومة الأردنية.
بالنظر للنماذج المتشابهة بين أكواب القياس والتي يمثلها مجموعة من الرياديين الذي اتخذوا كورقة الإجابة النموذجية لأي رياديّ قد يطفو في المحيط الاقتصادي الحالي سيصبح عامل النمو لربما مخيفًا أكثر.
يرتبط حجم خوف مؤسسي المشاريع الريادية بحجم المجهول الذي يقتربون منه ويخوضون فيه، فالمجهول مخيف لأنه لا سبيل للتحضير له سوى بطريقة تعدد السيناريو، والتي قد تكون ضربة في مقتل في حال إن كان الريادي محدود الأفق منغلق التفكير بلا استعداد لرؤية الوجوه السلبية لكل خطة أو سيناريو يأتي به، أو لتقبله للسقطات التي تزرع في طريقه سواء وصل لأهدافه أم لا.
فمثلًا عند إقدامك على صنع بسكويت اللوز والشوفان للمرة الأولى لتشارك أصدقاءك بنتيجة لذيذة «أو هكذا تظن» سيكون معدل خوفك من الفشل كبيرًا خاصة إن لم يسبق لك خبز هذا النوع من قبل (مثلي تمامًا)، حيث قمت مثلًا خلال تفكيري بهذا الشكل بقياس كمية الشوفان ثلاث مرات! لمَ؟ لأننا نخشى أن نفشل رغم أنها نتيجة طبيعية إن فكرنا بها قليلًا، ولكن على أن لا تكون هذه حجة كي لا نستعد تمام الاستعداد لما هو مقبل.
ميزة اختياراتنا في مرحلة الإعداد لأي مشروع أنها مثالية لكنها ليست بالضرورة صحيحة. القصد؟ السوق هو ما يهم حاجة السوق وليس ما يظنه الريادي ويعتقده. مثلًا عندما قررت أن أصنع هذا النوع تحديدًا من البسكويت قررت صنعه لأنه مرغوب، وليس لمثاليته واعتقادي أنهم لربما سيرغبون فيه.
هذا الفخ الذي يقع فيه مزودو الخدمات ومقدمو المنتجات، يقومون بخلق منتجات مثالية ثم يقضون وقتهم في محاولة إقناع السوق بشرائها، والنتيجة؟ في أحسن الظروف سيقومون بتحوير الفكرة بعد حين، مع تكبد خسائر الإنتاج.
على صعيد آخر فإن حجم التحديات المزروعة على جنبات الطريق والتي تتعلق بالتشريعات، القوانين، الضرائب، ضعف مستوى القوى العاملة وتأثر الغلاء المعيشي على مستوى الدخل، هو ما يضرب أي شركة ناشئة في مقتل تأرجح القوى العاملة لعدم توفر ميزة الأمان الوظيفي كنتيجة للتحديات المذكورة، مما يجعل سيناريو إغلاق الشركة، بيعها أو بالأحرى تسجيلها في الخارج واستئناف عملها حلًا أمثل لشبح الإفلاس.
كمجتمع ريادي نحن نعلم أننا لم نصل إلى مصاف سيليكون فالي في حجم الاستثمار ونمو الفرص لكننا في تمام الوعي أن جزءًا من البيئة المثلى لتطور هذه الأفكار والتي نمت فيها بالفعل واحدة من أقوى الشركات العربية الناشئة والعاشرة على مستوى المنطقة «طقس العرب»، هي ذاتها البيئة التي تطورت لتحتضن نماذج أخرى لربما فشلت ما يجعل بوصلة السبب تتوقف عند طريقة التفكير في الفرص والفشل في آن معًا.
بصراحة لم أستطع أن أتوقف عن التفكير في فرص نجاحي في صنع «بسكويت» يقوم بالرقص ويضيء بطريقة مبهرة.
هذه هي الريادة الحالمة، خاصة إن افتقرت للمعرفة والرافد المادي المهم للاستعانة بالخبرات الخارجية.
ماذا إن صنعت هيكل روبوت معدني يرقص ويتحرك وكسوته بكعك الأرز ومن ثم ألصقت عليه البسكويت الهش.
سأنجح لو وجدت مهندسًا يحرك دميتي القابلة للأكل – قد أتصل بيوسف وادي للقيام بالأمر – أحتاج الآن لمهارة حرفية عالية عليّ تعلمها وهي فن إعداد الحلوى بطريقة بادي فالاسترو المجنونة، التي أحتاج إلى سنين لتعلمها وحدي لذا إما أن ألازم محترفًا أو أن أقوم باستئجاره للقيام بالأمر.
في الحل الأول أحتاج وقتًا طويلًا، في الثانية إلى إرادة وتركيز للتعلم، وفي الثالثة إلى الكثير من المال، إن مجمل القرارات هنا يدور في فلك مستوى النضوج والأولويات والأهم روح المغامرة والريادة الحقيقية، والتي تتمثل أن تكون شيخًا في «كارك» ملكًا في مهنتك التي تقدم بها منتجًا أو خدمة.
على ذكر الشيوخ لا أعتقد أن هناك شيخًا يرقى لمجلس محمد الشاكر في ارتداء عباءة علم الطقس والأرصاد وتحويرها بأنامل سحرية إلى سلع وخدمات أقل ما يقال عنها إنها ضرب من العبقرية والجنون في آن معًا!
هذا الرجل سبق وأن كتبت عنه مقالًا على وقع أكثر المنخفضات جدلًا «أليكسا» وأتمنى أن لا يكون قد قرأ المقال! (قد أسرفت في المقال سابقًا في وصف مقابلاته رغم عدم تركيزي ولسبب مجهول سوى في طريقة رده الممنهجة واليقظة المحترفة لكل ما يتعلق بـ«كاره» أي مهنته!).
الغريب في النماذج الريادية الأردنية أنها وعلى حد يثير الجنون مثالية في الفراغ الهائل في الفجوة الإبداعية ودعم عجلة الاقتصاد رغم قلتها نسبيًا والتي نأمل أن تكون في نمو وازدهار تمامًا «كشماغ الشاكر» الذي يرتديه في كل منخفض يسفر عن عطلة طويلة، تنجم عن حملة خبز تشبه التي أقوم بها الآن. أعتقد أنني فعلًا أشعر بالحنين للشتاء، ومنحنى الربح وجلسة عرض الأفكار للاستثمار، أشتاق أن أتعلم كما أفعل في عجينتي الناتئة الآن. حيث منحنى التعلم واضح فلابد أن تصنع عدة أقراص بسكويت مشوهة تشبه «الوحوش» قبل أن تتقنها تمامًا كالقرصين اللذين أعددتهما في البداية، واللذان يساويان عدد الشركات التي أنشأتها ولم يقدر لها أن تنضج على أغصانها، فيما بدأت باقي القطع باتخاذ الشكل الصحيح الذي يرغب به أصدقائي. أعتقد أنني الآن أسير حسب حاجة «السوق» المثلى.
أعلم أن لدي الكثير لأتعلمه ورغم أنها تجربة صعبة بحق إلا أنها تستحق أن تعاش، والنضوج المسفر عنها لهو ألذ من العسل في خلاياه.
القاعدة الأهم في الريادة اعمل بشغفك، وابحث عن شريك يساندك ويؤمن بالفكرة، منطقي يرى الفرصة ويرى السقطة لا هو حالم غير واقعي تضيع معه ولا هو متشائم منغلق التفكير، حتى إذا حط الفشل رحاله كان فرصة ذهبية ونقطة تحول تحمد وجودها في حياتك حتى مماتك.
على ذكر الشريك أعتقد أنني وجدت شراكة مثالية هذه الأيام، شراكتي مع ذاتي، إن مقدار الألم وجلد الذات الذي نعرض أنفسنا له لدى فشلنا يجعل من الأجدر لنا أن نتصالح مع ذاتنا وندع قافلة التعذيب الذاتي تسير دون عودة.
في ظل فكر يرى في الريادة مخرجًا مضيئًا مليئًا بالوحل والخفافيش والتماسيح في أحسن الأحوال، أؤمن أن شراكة المرء مع ذاته هي أول وأهم عنصر عليه تقويمه، لتتقبل نفسك كما أنت وتغفر أخطاءك الصغيرة لتتمتع بفضائلك الكبيرة.
الريادة قد تكون تجربة محسوبة بالزمن والأرقام والمادة لكنها قبل كل شيء ضغط هائل ترزأ تحته إما أن يحولك إلى ألماس أو أن يفنيك.
أعتقد أن أقراص البسكويت هذه هي أفضل المخبوزات التي أعددتها حتى الآن. سأرسل بعضها إلى مجموعة من «الخبازين» الماهرين لمساعدتي في تحسينها، الشكولاتة وزبدة الفستق لمحمد الشاكر «عله يعلن عن منخفض قطبي يسفر عن عطلة»، اللوز والشوفان ليوسف وادي، الشوكلاتة والبندق لبينلوبي شهاب، أظن أنني سأملأ مرطبانًا لبعض المستثمرين «كعيّنة للأيام القادمة» وعلبة كبيرة لجيش العباقرة خلف الشاشات، بنكهة الحبّ لقارئي هذا المقال!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست