الإنسان عبد ما يعتقد، يسيطر عليه تعلقه بفكرة، أو شخص، بغض النظر عن صلاحية الفكرة، أو سلوك الشخص، منهم بالتأكيد ذائع الصيت «رجب طيب أردوغان» رئيس تركيا الحالي، الرجل صاحب المواقف الجليلة، تارة يزور مخيمًا للاجئين، وأخرى يقرأ القرآن الكريم، وثالثة يستميت دفاعًا عن فلسطين، ستجد مواقع التواصل الاجتماعي تمتلئ بتصريحات وفيديوهات لشخصه الكريم، وتضعه في صورة تقترب من الكمال «الكمال الإنساني» للحاكم المسلم.

لن نتحدث عن جذوره أو نشأته، ولكن يعرف الرجال من مواقفهم، ومواقف الطيب كثيرة، وخدماته للمجتمع العربي جليلة، أردوغان أصبح لغالبية العرب هو «الخليفة المنتظر»، وهو بدون شك نجاح في سياسته الخارجية.

سنحاول أن نوضح في السطور القادمة، جانب آخر من شخصية أردوغان في علاقاتها الخارجية، لأن سياسته الداخلية؛ لن تفيد إلا أبناء شعبه؛ أما الخارجية فقد تحجمنا أكثر.

 أردوغان وإسرائيل:

تمتلك أغلبية الدول العربية والإسلامية، علاقات بشكل أو بآخر، مع الكيان الصهيوني، لذلك تلتصق بهم صفة الخيانة ونحن نقر ذلك، وفي أزهى صور الازدواجية تكون علاقات (أردوغان) مع إسرائيل، هي وسام تفوق للسياسة الخارجية التركية.

1- قام «أردوغان» بزيارة إلى إسرائيل في عام 2005، بصحبة الرئيس التركي «عبد الله جول»، لم يكتف بهذا؛ بل قام بزيارته التاريخية إلى قبر (هرتزل)، مؤسس الصهيونية العالمية.

ستجد تبريرًا عاجزًا يلوح في الأفق مفاده «أن السياسة التركية يحركها الجيش بتوجهاته العلمانية»؛ فتكون الإجابة بسيطة «أن النهضة التركية أيضًا صنعها الجيش العلماني وليس أردوغان وحزبه».

وعلى الجانب الآخر ستجد المنطق يتحدث عن أنها مصالح مشتركة للزيارة، نعم أين مصالحه من زيارة قبر «هرتزل»؟ أليست إهانة للمسلمين؟ أليست إهانة له شخصيًّا ولإسلامه؟

2- قام أولمرت بزيارة لتركيا في 2008، وألقى خطابًا في مجلس النواب التركي، في سابقة تحدث لأول مرة لبلد أغلبيته إسلامية.

3- رفضت تركيا مناقشة القدرات النووية الإسرائيلية في مجلس الأمن في عام 2011.

4- وافقت تركيا على مشاركة إسرائيل في أنشطة غير عسكرية لحلف شمال الأطلسي (NATO) في 25-12-2011.

نعم هو «أردوغان» نفسه الذي انسحب في واقعة «دافوس» الشهيرة «ون مينت» لكن انسحابه ليس تضامنًا مع القضية الفلسطينية، ولكن لمشكلة إدارية حيث قال: «أنتم لم تفسحوا لي المجال لأتكلم»، وبالطبع الفرق شاسع بين انسحابك للاحتجاج على سياسة إسرائيل، وعدوانها على فلسطين؛ وانسحابك لأنك لم تأخذ نصيبك من الوقت.

أردوغان والمعارضة:

تشويه المعارضة شيء مقدس للأنظمة الرجعية، الأنظمة التي ترفض النقد وليس التجريح، الأنظمة التي تبدع في تشويه المعارضة بسبب، وبدون.

طبقًا لشبكة «بي بي سي» تم الحصول على أحكام بالسجن، لمدد تتراوح حتى 4 سنوات، لـ2000 مواطن تركي؛ بتهمة إهانة «أردوغان»، من مختلف الفئات ومنهم الأطفال.

يتواصل مسلسل اقتلاع المعارضين، لكن في مجال الصحافة؛ حيث احتلت تركيا المرتبة 134 طبقًا لمنظمة (FREEDOM HOUSE) في 2013، وهو ما وصفته الصحافة التركية، بأنه تراجع من منطقة الدول الحرة، إلى منطقة الدول غير الحرة نتيجة للضغوط التي يتعرض لها الصحفيون خاصةً من قاموا بتغطية أحداث (جيزي بارك) في إسطنبول.

وفي باريس 2014، تسلم الصحفي التركي «أحمد شيخ» جائزة الصحافة العالمية، من قبل منظمة (اليونسكو)، والمفارقة أن هذا الصحفي ملاحق قضائيًّا في تركيا؛ بعقوبة السجن لمدة 15 عامًا، لجريمته بمساعدة شبكة مناهضة للنظام.

أغلبية الأنظمة في العالم مشابهه لحالة تركيا، منهم على سبيل المثال مصر، والمآخذ التي عليها كثيرة، ويستفيض الكل في إظهارها وإظهار كل ما هو سيئ للدولة المصرية؛ سواء من مصريين أو من غيرهم.

هذا قطرة من فيضان «أردوغان»، حاولنا أن تكمل الصورة التي تأخذها، لأن النظر والتمحيص من جانب واحد فيه ظلم بيًن، للشخصية ومريديها، جانب حاولنا فيه التدقيق وتحري الحقائق، ومن حقك أن تأخذ بها أو ترفضها؛ لكنها تبقى حقائق.

ستجد الردود التي تتحدث عن أن هذا رياء للنظام المصري القائم، وستجد الأخرى تضعهم في موضع المقارنة، لا لشيء إلا للمحافظة على ما يعتقده، وأن لا تنهار معتقداته.

النظام الاقتصادي التركي يسبقنا بسنوات ضوئية، هذه حقيقة جلية، لكن النظام السياسي بقيادة «أردوغان» أعتقد أنه ليس سباقًا عنا كثيرًا، بل أعتقد أنه ينحدر نتيجة للتعديلات الأخيرة في البنية السياسية.

أخيرًا، وهو رجاء قبل أن تجهد نفسك بالنفي، أو بالسباب، أو المراء دون أن تقرأ، ابحث عن حقيقة ما كتب وستجد لو طاوعتك نفسك أسوأ من ذلك، الموضوع يعتمد عليك، عليك فقط تريد أم لا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

أردوغان
عرض التعليقات
تحميل المزيد