إذا كانت الزيارة الحالية التي قام  بها السيسي إلى لندن قد أثارت دهشتك،  فيبدو أن الصورة لم تتضح معالمها بالنسبة لك بعد.

 

الزيارة سبقتها مجموعة من التحضيرات، كقرار الحكومة البريطانية منح الحصانة الاستثنائية لرئيس أركان الجيش المصري حتى لا تتم ملاحقته قضائيًا أثناء الزيارة، كما أن الاحتفاء بالزيارة على مستوى الإعلام ظهر على استحياء، مثال على ذلك مقال كون كوجلين في التليجراف عن الزيارة ووصفه للسيسي بالجنرال الهادئ والرجل الحازم، وكأن الكاتب يحاول ضمنيًا أن يقول: “هذا هو الرجل الذي يجب أن ندعمه في الشرق الأوسط”.

 

هذا هو السبب الأول، أن المنطقة تعيش دوامة من الأزمات والصراعات والتدخلات الخارجية، وأصبح من الصعب إن لم يكن مستحيلاً استشراف مستقبلها، وبالتالي سيكون دعم الحكومات المركزية خيرًا منطقيًا للحفاظ على آخر دواعي الاستقرار في المنطقة.

 

بالطبع لم يخلُ الإعلام البريطاني من الانتقادات، وحذا حذو الإعلام الألماني أثناء زيارة السيسي؛ حيث وصفت الجارديان السيسي بالمستبد، وأوضحت الجرائم التي ارتكبت منذ بداية توليه السلطة، ورغم السخط الذي قد يبديه الشعب البريطاني أو الألماني وبعض النخب من هذه الزيارات، إلا أن الحكومات ماضية في طريقها للاعتراف بنظام السيسي ودعمه، لماذا؟
كلمة السر التي قد توضح شيئًا من الأحجية: (اللاجئون).

 

دعني أوضح لك حجم الأزمة في خبر نشرته وكالة رويترز (1) توضح فيه أن عدد اللاجئين إلى أوروبا في أكتوبر العام الحالي يساوي عددهم في عام 2014 بالكامل، الرقم بالتحديد يقترب من 220 ألف لاجئ في شهر واحد، والتوقعات في ألمانيا وحدها تتوقع أن يبلغ عدد طالبي اللجوء هذا العام 800 ألف.

 

قد تبدو ألمانيا أكثر ليونة في التعامل مع اللاجئين ومساعدتهم، لا عجب فالتغيرات الديموغرافية التي تمر بها البلاد والتي تهدد أمنها الاقتصادي، تبدو سببًا رئيسيًا لما تقوم به  ألمانيا الآن، فحسب وكالة التوظيف الفيدرالية سيقل مقدار القوى العاملة في ألمانيا بحلول عام 2025 بمقدار 6.5 مليون عامل (2)، والحالة الممتازة التي يعيشها الاقتصاد الألماني أيضًا عامل مساعد في تبني استراتيجية استقبال اللاجئين.

 

نظام السيسي يدرك تمامًا حجم الأزمة ويلعب بأوراقه جيدًا في العلاقات الخارجية كعادته، “إذا قابلتي المصريين البسطاء، سيقولون لك أنهم مرعوبون من ملاقاة نفس مصير البلدان الأخرى في المنطقة، إنهم يرون صور الناس يغرقون في البحر في طريقهم إلى أوروبا، وأنا أخاف عليهم من هذا المصير”، تلك كانت ترجمة عن تصريح السيسي لقناة البي بي سي أثناء لقاء صحفي معه(3).

 

نعم، الغرب يعلم أن السيسي يرأس انقلابًا، وأنه مستبد، ولكنهم أيضًا في حاجة إليه وإلى وجوده واستقرار نظامه.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد