على مدى الأشهر الماضية درج كثير من الشباب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي على تبادل صور لاجئين سوريين هاربين من جحيم الأسد باتجاه أوروبا أملا فى الحياة بين ظهراني بلاد “الحرية والرخاء” وبحثا عن “إنسانية” افتقدوها في بلادهم وبلاد “الأشقاء”.

 

كان تداول الشباب العربي لهذه الصور متبوعا بتعليقات مصحوبة بجلد للذات يصل إلى حد القتل وكانت للتظاهرات الأخيرة في مدينتي فيينا ودرسدن مفعول السحر إذا بدا شباب عربي تافه يتغنى بهذه الإنسانية الغربية “المفرطة” تجاه أناس أغراب لا يشتركون في الدين ولا اللغة والهوية!

 

ولكن هؤلاء الذين ينظرون للغربي وخاصة الأوروبي بعين الإعجاب والانبهار الشديد بينما ينظر لنفسه ولمن حوله نظرة احتقار وازدراء شديدة تخفي طابعًا من الانسحاق أمام شخصية الطرف الآخر، لما يحس به في أعماقه من العظمة المطلقة التي يملكها الطرف الآخر “الغربي”.

 

وتستدعي تفكيك ظاهرة الانسحاق العربي أمام الغربي “الإنسان” في حالة اللاجئين السوريين تستدعي منا مراجعة ماذا فعلت تلك الشعوب “المشبعة إنسانيا” في مراجعة مواقف حكومات بلادها تجاه قضايانا نحن “الآخرين”.

 

ففي عام 2004 وبعد احتلاله العراق وأفغانستان صوت الأمريكي “الإنسان” لجورج بوش الذي حصل في انتخابات شارك فيها أكثر من 115 مليون ناخب على أغلبية الأصوات وعلق كبير موظفي البيت الأبيض أندي كارد وقتها قائلا “إنه مقتنع بأن بوش فاز “بأصوات أكثر من تلك التي فاز بها أي مرشح في التاريخ”.

 

معنى ذلك أن الأمريكي “الإنسان” صوت لرجل احتل بلدًا آخر وشرد وقتل ملايين من أطفاله ونسائه ورجاله دون أي تأنيب في ضميره ولم يرَ في صور رجال وأطفال ونساء عراقيين ما يدعوه إلى رفض هذا القاتل!

 

وبالحديث عن المواطن البريطاني “الإنسان” فإننا نجده قد صوّت لصالح حزب العمال وزعيمه توني بلير لرئاسة وزراء البلاد رغم مشاركته مع حليفه الأمريكي في احتلال العراق حيث حصل على 36 % من أصوات الناخبين الأمر الذي يعني شكليًّا أن كثيرًا من الناخبين كانوا يرفضون سياسته ولكن فىيالنهاية حصل بلير على الدعم لولاية ثالثة في منصبه وبأصوات الناخب البريطاني “الإنسان”.

 

وفي مجال العلوم السياسية يصدعنا أساتذتنا المتأمركون أكثر من الأمريكيين أنفسهم بأن الإنسان الأمريكي والبريطاني لا يهمه سوى الوضع الاقتصادي وأن قضايا السياسة الخارجية تأتي فىيهامش اهتماماته وغيرها من الأكاذيب التي لو اقتنعنا بها وآمنا بها كمبررات فإننا نجد أنفسنا إزاء “إنسان” غربي في صورة “حيوان” لا تهمه سوى حاجاته الأساسية التي يوفرها اقتصاد بلاده بغض النظر عن قيام الحزب المنتخب بقتل شعوب الدول الأخرى وتشريدهم .

 

بالعودة إلى الحدث السوري الذي تبارى فيها “الإنسان” الغربي معبرًا عن “إنسانيته” المفرطة بالتظاهر دفاعا عن اللاجئ السوري الذي هرب في قوارب الموت أملا في الوصول إلى مناطق أكثر أمنًا نجد أننا لسنا أمام عرض مسرحي شبه فكاهي فإذا كانت هذه مواقف تعبر عن دعم لهؤلاء البشر الهاربين ألا يستدعي هذا منكم ألا تضغطوا على حكوماتكم لوقف دعمها لبقاء بشار الأسد على رأس السلطة أو الذهاب باتجاه حملة عسكرية لخلعه من منصبه ليعود السوريون إلى بلادهم.

 

ومقارنة هذا “الإنسان” الغربي الذي يعيش في بلدان الرفاهة و”الديموقراطية” بالإنسان العربي من المحيط للخليج حيث لا وجود لديموقراطية على غرار الدول الغربية نجد أن العربي أكثر إنسانية من هؤلاء بكثير.

 

فبعد قيام الثورة السورية على نظام مجرم الحرب بشار الأسد خرج اللاجئون السوريون إلى بلدان عربية وإسلامية أملا في الأمن فوفد لمصر والأردن وتركيا ولبنان وغيرها من البلدان مئات الآف من السوريين وقامت هذه الدول بعرض ما لديها من إمكانات لمساعدة السوري في محنته فمنها من عرض مساعدات ومنها من أعفى الطلاب من مصاريف الدراسة والعلاج.

 

وبالنسبة إلى مساعدات الدول المذكورة أعلاه نجدها غاية من يمكن لتلك الدول الفقيرة والمأزومة اقتصاديا تقديمه. فهل مثلا مصر أو الأردن أو لبنان يمكنها تقديم شيء للسوري أكثر مما قدمته بالنظر إلى أوضاعها الاقتصادية المتردية وملايين الفقراء من شعوبها.

 

كما أن شعوب تلك البلدان في غالبهم كانوا متعاطفين مع السوري بقدر الاستطاعة ووجدت فى مصر احتضانا للسوريين من مصريين عاديين كونوا جمعيات خيرية وفعاليات لجمع الأموال للسوريين المحتاجين وأعلنت حملات لجمع التبرعات لدفع إيجارات المنازل ومصاريف البيوت.

 

ولكن لأن العقل العربي لا يجيد إلا قتل وتحطيم الذات لم ترَ مواقع التواصل الاجتماعي إلا النماذج الشاذة التي أعلنت عن عنصريتها تجاه السوري فضخمتها ووصمت شعبًا كاملًا بالعنصرية تجاه السوريين وأن شعبا مصريًّا بأكمله يسعى لاستغلال تشريد السوريين أملًا في الزواج من بناتهم كالسبايا!

 

إن شعوبنا العربية والإسلامية والتي لم تذق في غالبها الأعم طعم الحرية والرخاء ولا حتى التعليم الجيد لم تقبل يوما بظلم أو قهر ولم تؤيد يوما في انتخابات عامة غير مزورة قاتل سفاحًّا كما فعل الأمريكيون الذين انتخبوا جورج بوش الابن بغالبيتهم.

 

ولم تفعل شعوبنا العربية كما فعل البريطانيون عندما انتخب ثلثهم قاتلًا مأجورًا هو توني بلير بعد مساندته للسفاح الأمريكي في حربه على العراق وإرساله آلاف الجنود البريطانيين إلى العراق لقتل الرجال والنساء والأطفال.

 

إن هذه الشعوب العربية والإسلامية وإن سكتت عن الظلم والقهر الذي تدعمه الشعوب والحكومات الغربية لم تُتَح لها الفرصة يومًا لكي تصوت بانتخاب حر كما أتيحت لهم فرص عديدة فلم ينتخبوا إلا قتلة وسفاحين، فهل الغربي ما زال هو “الإنسان”!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد