مع أن وجود الله حقيقة، وهو سجية الفطرة السليمة، فإن هناك من يحتاج من البشر إلى إعانة على فهم هذه الحقيقة. وقد بيَّن العلماء هذا بشكل مستفيض يُريح القلوب ويُقنع العقول. وسنذكر على إجمالٍ بعض ما استُدل به على تدعيم هذه القضية (قضية وجود الله).

والطرق التي يُستدل بها كثيرة، وهذا ما جعل بعض المؤمنين يقولون: الطرق إلى اللّه بعدد أنفاس الخلائق‏.‏

إن «القرآن» وحده كافٍ في إزالة الشك وبث اليقين في قلب الإنسان في هذه المسألة، وهو يكفي طالب الحق ويكفينا، فصدق القرآن وصحته وما فيه من إعجاز وتحدٍ يجزم بوجود إله وأن محمدًا رسول الله، مع عدم القدرة على معارضته منذ نزوله إلى الآن، إن هذا لبرهان عظيم على قدرة الخالق وحكمته في تثبيت الحقائق للناس. ولكن لكثرة الأدلة في هذه المسألة سنعرض بعضها.

أولًا : أدلة حدوث العالم.

1- دليل الحدوث:

يقوم هذا الدليل على أن العالم – وهو اسم لما سوى الله عز وجل – متغير بالمشاهدة وكل متغير حادث، وكل حادث لا بد له من مُحدِث. وهذا المُحدِث هو الله، عز وجل.

فموجودات العالم خاضعة لمبدأ السببية، وأن تسلسل الحوادث إلى ما لانهاية باطل. ثبت إذن حدوث العالم، وأن لها مُحدث وهو الله. وهذه العلة الخالقة المُحدِثة (الله) لا بد أن تكون أزلية؛ لها كامل الصفات. والله عز وجل هو عِلة كل معلول.

2- دليل الكثرة والتركيب:

ويقوم على أن العالم تعتريه الكثرة، وهذه الكثرة تؤدي إلى التركيب في ذوات أفراده، وهذا يقتضي حدوث كلا منهم؛ لأنه يحتاج إلى مُركب يركبه، وهذا المُركِب هو الله.

من أدلة العلم الحديث على حدوث العالم:

1– القانون الثاني للتيرموديناميك:

هذا القانون يثبت أنه لا يمكن أن يكون وجود الكون أزليًّا، فهو يصف لنا أن الحرارة تنتقل دائمًا من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، والعكس غير ممكن.

يقول كريسي موريسون: «وهكذا توصلت العلوم – دون قصد – إلى أن لهذا الكون بداية. وهي بذلك تثبت وجود الله؛ لأن ما له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ نفسه ولا بد من مبدئ، أو من محرك أول، أو من خالق، هو الإله».

قال السير جيمس الكلام نفسه: «تؤمن العلوم الحديثة بأن عملية تغير الحرارة سوف تستمر حتى تنتهي طاقاتها كلية، ولم تصل هذه العملية حتى الآن إلى آخر درجاتها؛ لأنه لو حدث شيء مثل هذا لما كنا الآن موجودين على ظهر الأرض، حتى نفكر فيها. إن هذه العملية تتقدم بسرعة مع الزمن، ومن ثم لا بد لها من بداية، ولا بد أنه قد حدثت عملية في الكون، يمكن أن نسميها خلقًا في وقت ما، حيث لا يمكن أن يكون هذا الكون أزليًّا».

2 – الانفجار الكبير:

يقول العالم الفلكي الشهير ستيف هاكنغ: «إن إدوين هابل أجرى سنة 1929م مشاهدة تعد علامة طريق، هي أنك حيثما وجهت بصرك، تجد المجرات البعيدة تتحرك بسرعة بعيدًا عنا. وبكلمات أخرى فإن الكون يتمدد. ويعني هذا أن الأشياء كانت في الأوقات السالفة أكثر اقترابًا معًا. والحقيقة أنه يبدو أنه كان ثمة وقت منذ حوالي عشرة أو عشرين ألف مليون سنة، حيث كانت الأشياء كلها في المكان نفسه بالضبط، وبالتالي فإن كثافة الكون وقتها كانت لا متناهية. وهذا الاكتشاف هو الذي أتى في النهاية بمسألة بداية الكون إلى دنيا العلم».

ويقول كريسى موريسون في حديثه عن بداية الكون 28: «وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أن بداية المادة لم تكن بطيئة أو تدريجية، بل أوجدت بصورة فجائية، وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه هذه المواد، وعلى ذلك فان هذا العالم المادي لا بد أن يكون مخلوقًا».

ويقول الفيزيائي إدموند ويتيكر: «ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي، فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية؟ والأبسط أن نفترض خلقًا من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم».

وينتهي الفيزيائي إدوارد ميلن، بعد تفكره في الكون المتمدد، إلى هذه النتيجة قائلًا: «أما العلة الأولى للكون في سباق التمدد فأمر إضافتها متروك للقارئ. ولكن الصورة التي لدينا لا تكتمل من غير الله».

3_ تمدد الكون وتوسعه:

في عام 1929 شاهد عالم الفلك الأمريكي «إدوين هابل» بواسطة التلسكوب أن المجرات تتباعد بعضها عن بعض بسرعات هائلة. إن حركة ابتعاد المجرات ناتجة عن توسع الفضاء (الكون) وامتداده.

وهذا الكون ما دام في توسع فإنه لا بد وأن تكون له بداية. وهذا ما حدثنا عنه القرآن قبل ذلك بقوله تعالى: «وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ».

أدلة أخرى على وجود الله.

1- دليل النظام والإتقان:

ويقوم هذا الدليل على أن هناك إتقانًا للكون وتنظيمًا له، وهذا الإتقان لا بد له من مُتقن، وهذا النظام لا بد له مُـــنظـم، وهو الله. فمستحيل أن يكون هذا صدفة، لأن الصدفة لا تستطيع أن تجعل قانونًا مُحكمًا، فما نسميه الصدفة هو تعبير عن جهلنا معرفة الأسباب. ومحال أن تكون العلة الفاعلة مادة إذ كيف توجِد المادة «غير العاقلة» قانونًا كهذا يسير عليه الكون دون اضطراب؟!

فلا عبث إذن ولا فوضى، وإنما هو نظام وإتقان وتقدير وتدبير. قال تعالى: «صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء» ، وقال تعالى: «وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً» ، وقال تعالى: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ».

2- دليل المشابهة:

ويقوم على المشابهة بين النفس بالنسبة للبدن وبين الله بالنسبة للكون، فكما أن أفعال البدن تدل على وجود نفس له تدبر له؛ فكذلك وجود نظام في الكون يدل على وجود مُنظم له، وهو الله، عز وجل. وقد قال بهذا الدليل الكندي الفيلسوف المسلم.

3- دليل الإمكان:

وهذا الدليل من أدلة المتكلمين على وجود الله تعالى، ومفاده:

أنه إذا لم يكن للعالم واجب ( وهو الله ) لانحصرت الموجودات كلها في الممكنات، والممكن هو ما استوي طرفاه إيجادًا وعدمًا؛ أي إنه لا يستطيع أن يوجد نفسه، ويلزم من هذا الانحصار عدمه، لأن الكون موجود بالمشاهدة، وما دام موجودًا فلا بد من «علة» أزلية أوجدته وأخرجته من دائرة الإمكان إلى دائرة الوجود؛ لأنه كما قلنا الممكن لا يوجد نفسه، وهذه العلة «الله» سبحانه .

وبطلان الدور والتسلسل واضح ، فالدّور هو توقُّف وجود الموجود الأوّل على الموجود الثاني، ووجود الثاني متوقِّف على الأوَّل فكلٌّ منهما علّة لوجود الآخر، وعليه يلزم أنْ يكون كلُّ واحد منهما متقدّمًا لأنّه علّة، و متأخّرًا لأنّه معلول، وهذا جمع بين النقيضين وهو ممتنع بالبداهة. فالدّور باطل، وكلّ ما يلزم منه الدّور باطل أيضًا.

والتسلسل هو عبارة عن توقّف الموجود الأوّل على الثاني، والثاني على ثالث… وهكذا إلى ما لا نهاية، بحيث تجتمع سلسلة من الموجودات الممكنة، كلّ واحد منها معلول للسّابق وعلّة للّاحق، مترتّبة غير متناهية.

وهنا يُسأل عن العلّة الّتي أفاضت الوجود على هذه السّلسلة الممكنة، فإن كانت العلّة ممكنة أيضًا كانت محتاجة إلى علّة أيضًا وهكذا إلى لا نهاية، ويلزم عدم وجود الموجودات، ولكنّ وجودها بديهي. وإن كانت العلّة واجبة الوجود، أي: وجودها ذاتي، فقد انقطعت السّلسلة وحصل المطلوب.

4- الرؤى الصالحة:

يقول الدكتور فاضل السامرائي: «ومما يقطع بوجود الله ظاهرة الرؤى الصادقة، التي تكون كفلق الصبح صادقة تمامًا.

فكيف تحدث مثل هذه الرؤى؟

ومن الذي أخبر الإنسان بهذا الغيب المجهول؟

الإنسان لا يعلم الغيب، ولكن عن طريق الرؤى الصالحة قد يحصل له شيء من ذلك، فما تفسير هذا الأمر؟

إن تفسيره واضح وهو أن هناك ذاتًا تعلم الغيب وسجلته وهي تطلع من تشاء من عبادها على بعض هذا الغيب عن طريق الرؤى أو طريق آخر . ولا تفسير لها غير هذا التفسير.

وقد يقول قسم من الملحدين هذا من قبيل المصادفة!

فنقول: إن هناك كثيرًا من الرؤى لا يمكن تفسيرها بالمصادقة. ثم إن كثرتها لا تدع مجالًا لتفسيرها بالمصادقة.

إن المصادفة قد تقع في أمر واحد أو اثنين ولكنها لا تقع في كثير من الموافقات.

5- الشر، ونقص العالم.

يقوم هذا الدليل على أن العالم مخلوق، ولو كان وجوده من نفسه، وأنه قائم بذاته لمنح نفسه الكمال المطلق وتنزه عن النقائص والشرور. وما دام الواقع يدل على خلاف هذا مما يقع في الكون من شرور وفساد ونقص. إذن فهذا الكون مخلوق، والذي خلقه هو الواجد الحقيقي الكامل الذي يمنح غيره الكمال النسبي. وهذا الكمال المطلق هو الذي يمن على كل وجود غيره من فيض جماله وكماله. وما تنتجه العقول من أسباب لتجنب بها هذه الشرور إنما هي من فيض كماله ولطفه بكل وجود نسبي.

هذا بإجمال ما أردنا عرضه لأهل الفكر من الملحدين. ونسألهم: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

أدلة, الله, وجود
عرض التعليقات
تحميل المزيد