تظهر مشكلة “التفكير الأحادي” للعقل العربي في الموقف من حزب الله اللبناني. وتشمل هذه المشكلة كلا الفريقين: الفريق المعادي لحزب الله والفريق المؤيد له، إلا من رحم ربّك.
التفت الذي يؤيّد حزب الله – لأنّه يحارب عدوًّا له- إلى أعماله الإجرامية بحق الشعب في سوريا، فعسر عليه أن يكون الحزب مجرمًايلغ في دماء إخواننا في سوريا لأنّه في حسّه حزب “مقاوم” يصنع البطولات، ومن ثمّ قرّر أنّه لا بدّ من إلغاء الطرف الآخر في المعادلة حتى تكون لونًا واحدًا (أبيض أو أسود) وقال إنّ هؤلاء الثوار خونة مأجورون لأمريكا والغرب لإسقاط محور الممانعة!
أمّا الآخر الذي تيقّن من إجرام حزب الله في حقّ الإخوة في سوريا فقد عسر عليه أن يكون الحزب مع إجرامه هذا واصطفافه مع الطاغية بشار معاديًا لإسرائيل، فهو كذلك يحمل نفس العقلية الأحادية (أبيض أو أسود)، إذ جعل يخترع التحليلات الخرافية بأنّ كل ما يقوم به حزب الله في جنوب لبنان هو عبارة عن “تمثيلية” وكذب وتآمر مع إسرائيل لسحق أهل السنة، وما شابه تلك التحليلات!
ولو نظر هؤلاء إلى أنفسهم على سبيل المثال، أي إلى أهل السنة، فمن المفترض أنّهم في صفّ واحد ضدّ عدو واحد في سوريا، ومع ذلك تجد الأحقاد والعداءات والصراعات الدموية التي تنشأ من تضارب المصالح وأحيانًا من الخلافات الأيديولوجية (ولا أتحدث عن داعش بالمناسبة) هذا وهم أمة واحدة يُفترض أن يكون لها أعداء واضحين!
إنّ الأمور أكثر تركيبًا من هذه المعادلات الأحادية، وإنّ منطق العصابات المتصارعة على المصالح هو الذي يحكم العالم اليوم، فلا تتعجّب من عداء العصابات جميعًا لك، وتنازعها مع بعضها البعض في نفس الوقت، والكيّس من فهم الواقع كما هو، لا الذي يخترع واقعًا خياليًّا تكون فيه أمريكا هي أمّ العداوات، ويكون فيها جميع أعدائنا الإقليميين والمحليّين أبناءها المخلصين!
أما بخصوص أحداث جنوب لبنان التي تحدث الآن فأعتقد أنها عملية مبنية من بعدين:
– أولاً:
استغلّت إسرائيل انشغال حزب الله بعملياته الإجرامية في سوريا وزجّ قواته في الصراع المنهك هناك لتحاول كسر “ميزان الردع” الذي صنعه الحزب في حروبه السابقة معها، من خلال ضربة كهذه.
ويريد الحزب من ناحية أخرى الحفاظ على هذا الميزان، ولكنّه وفي ظلّ الضعف الذي يعاني منه، والذي يمنعه من دخول حرب مفتوحة أخرى كالتي اندلعت عام 2006، يحاول أن يكون ردّه في مستوى الحفاظ على ميزان الردع دون التدهور إلى الحرب، ومن ثمّ كانت عملية شبعا قريبة من هذا المستوى، دون إعلان حرب صواريخ على الشمال الفلسطيني المحتلّ.
– ثانيًا:
يرى معظم جمهور الناخبين الإسرائيلي أنّ اليمين الذي يمسك بالحكم الآن أقدر على التصرّف في شؤون الحرب والتهديدات الخارجية للكيان، وإنْ كان اليسار أقدر على حلّ المشكلات الداخلية كغلاء المعيشة وقضايا المساواة وغيرها.
وفي الاستطلاعات الأخيرة ظهر تفوّق التكتّل اليساري “المعسكر الصهيوني” بقيادة هرتسوغ وليفني على اليمين بقيادة نتنياهو، فبحسب الاستطلاع الأخير الذي أجرته القناة الإسرائيلية الثانية يتفوّق “المعسكر الصهيوني” (اليسار) بـ 26 مقعدًا مقابل 23 مقعدًا لليكود (اليمين).
ومن ثم يمكن أن يكون كلام اللواء يوآف غالانت (الرجل الثاني في قائمة موشيه كحلون) صحيحًا، حيث أدلى بتصريحات مفادها أنّ الضربة الإسرائيلية في جنوب لبنان لم تكن غير متعلّقة بالانتخابات.
ومن يراجع التاريخ السياسي لإسرائيل يجد الكثير من حالات الفوز فيالمعركة الانتخابية لزعماء الحروب التي خاضتها إسرائيل في المنطقة، بدءًا من الانتخابات الأولى التي تمّت خلال حرب عام 1948 وانتصر فيها قائد الحرب آنذاك دافيد بن غوريون، حتى يومنا هذا.
فلا يُستبعد إذن سعي اليمين بقيادة نتنياهو إلى إثارة الاقتتال في جنوب لبنان (وقد رأى سكان الشمال الحشد العسكري في المنطقة) من أجل كسب المعركة الانتخابية القادمة في آذار القادم، وفي حساب أرباب السياسة المعاصرين فإنّ المعركة الانتخابية في أوْجها الآن، وكما يقول المثل: من جدّ وجد، ومن زرع حصد!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست