في الوقت الذي كانت المعارك مع تنظيم «داعش» الإرهابي على تخوم محافظة نينوى محتدمة من كل الجهات، احتضنت العاصمة العراقية بغداد واحدة من أهم وابرز الفعاليات السياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي، ألا وهو المؤتمر التاسع للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية، بحضور واسع ومتنوع، مذهبيًا وجغرافيًا، وحتى سياسيًا.
وسواء كان ذلك التزامن بين معارك تحرير نينوى (الموصل) وانعقاد المؤتمر عفويًا أو مقصودًا ومخططًا له، فإنه أطلق رسالة قوية وبليغة في معانيها ودلالاتها، جاءت لتعطي زخمًا كبيرًا لوقائع الميدان وتفاعلاته الساخنة.
في الإطار العام، وفي خضم الانشغال السياسي والعسكري والإعلامي الكبير بمعارك التحرير، لم يكن لفعالية سياسية من هذا القبيل أن تحظى بالاهتمام الكافي، لاسيما وأنه كان يمكن أن تنعقد في طهران أو أية عاصمة إسلامية اخرى، لا تعيش ذات الانشغالات والهموم والتحديات التي تعيشها بغداد.
وبالفعل، قيل إن نقاشًا وجدلًا غير قليل شهدته بعض الكواليس والأروقة السياسية بين عدد من أصحاب القرار والمعنيين بالأمور، حول جدوى تشتيت الانتباه وتبديد الجهد على فعالية، قد لا تمثل شيئًا قبالة ما مطلوب تحقيقه من انتصارات في الميدان.
وقيل إن نفس المعترضين والمتحفظين في البداية، كانوا في قمة الارتياح، وهم يتلمسون النتائج الايجابية والطيبة للمؤتمر، وفي مقدمتها ذلك التفاعل الكبير من قبل ممثلي كل الدول المشاركة – التي تجاوز عددها خمس وعشرين دولة – مع العراق في حربه ضد داعش.
وطبيعي أنه حينما يكرس الجزء الأكبر من أطروحات وأفكار المؤتمر لإظهار الدعم والإسناد للعراق في حربه ضد الإرهاب، وبحث ودراسة السبل الكفيلة لتوحيد جهود المسلمين لمواجهة الإرهاب التكفيري بكل مظاهره وأساليبه وسلوكياته السلبية والسيئة والإجرامية، فهذا يعني أن هناك جبهة فكرية – سياسية واسعة وعريضة تتجاوز حدود الجغرافيا العراقية، تساند الجبهة العسكرية وتعزز مواقفها وتكرس انتصاراتها.
وربما لم يكن اغلب المشاركين في المؤتمر التاسع للصحوة الإسلامية في بغداد يمتلكون صورة واضحة عن حقيقة وطبيعة ما يجري، وحجم المخاطر والتحديات التي يواجهها العراق ومعه العالم الإسلامي جراء وجود تنظيم داعش الإرهابي، بيد أن ما سمعوه وما شاهدوه ساهم في توضيح معالم وملامح الصورة الحقيقية، بعيدًا عما يقال في عدد لا يستهان به من وسائل الإعلام والمنابر السياسية والمحافل الفكرية والثقافية في العالمين العربي والإسلامي.
والملفت أن أغلب المشاركين ينتمون إلى الفضاء السني، المعبأ من قبل الأطراف الداعمة للتوجهات التكفيرية المتطرفة، بمفاهيم وأفكار ونظريات منحرفة ومشوهة لا تمت إلى الواقع بصلة، لذلك فإنهم توقفوا طويلًا بين ما يحملونه من انطباعات وتصورات غير دقيقة، وبين أجواء ومناخات المؤتمر، وكذلك أجواء ومناخات التوجهات السياسية العراقية المعتدلة والمتوازنة لدى مختلف عناوين المشهد السياسي في العراق، بالرغم من اختلاف توجهاتها ومشاريعها وبرامجها السياسية، وتعدد انتماءاتها القومية والدينية والمذهبية والطائفية.
إلى جانب ذلك، فإن الاهتمام الإعلامي الواسع بالمؤتمر، سواء كفعالية سياسية، هي نتاج ولادة مشروع المجمع العالمي للصحوة الإسلامية قبل خمسة أو ستة أعوام في العاصمة الإيرانية طهران، وما تخلله من حراك طيلة تلك الأعوام، كان لإيران دور فاعل ومحوري ومهم فيه، علمًا أن العراق لم يكن- من خلال عدد من رموزه الدينية والسياسية – بعيدًا عنه، أو ارتباطًا بما شهده من نقاشات تمحورت في مجملها حول سبل تعزيز وحدة المسلمين، والاتفاق والتفاهم على الأولويات الملحة، لاسيما المتعلقة منها بتقليص مساحات الخلاف، وتجسير الهوة بين أبناء الدين الواحد.
فضلًا عن ذلك فإن المؤتمر أطلق من بغداد رسائل مهمة وعميقة، تضمنها البيان الختامي للمؤتمر بفقراته الثماني، ربما ما كان له أن يطلقها من عاصمة أخرى في ظل هذه الظروف.
وتبقى الرسالة الأكثر عمقًا وأهمية ومضمونًا هي أن العراق بات يشكل محور المواجهتين العسكرية والفكرية معًا للإرهاب التكفيري بمختلف عناوينه وأشكاله وصوره، وبشتى أدواته ومصادر تمويله وإسناده.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست