الخميس 24 من مارس يخرج موقع جريدة «الوطن» الانقلابية بخبرٍ يقول: «أول صور لمقتل تشكيل خطف الأجانب، ومصدر أمني (يرجح) ضلوعهم في مقتل (ريجيني)»، أما الصور فهي لشباب من بسطاء المصريين. تدل ملابسهم البسيطة على أنهم ليسوا من سكان القاهرة الجديدة، الحي المشهور بأثريائه، وكلمة أول صور في بداية عنوان الخبر تؤكد أن كاتبه من المخابرات؛ فقد صار المقتولون ظلمًا وعدوانًا، الذين نرجو أن يكونوا شهداء، تمثل صورهم مادة للسبق «الحصري» في صحافة بطعم «النخاسة»، والتجارة في الأرواح والدماء والأعراض والشرف، هذا غير طول العنوان غير المنتمي إلى عالم الصحافة بالأساس، بل إلى عالم الكذبة؛ فإن من أبجديات فنون التلفيق أن يتم إدماج الكلمات بكثرة لمداراة عورة مخالفة الحقيقة، أما الصدق فعنوانه بالغ القصر ومضمونه أكثر من واضح!
هؤلاء المجرمون القتلة الفجرة: ألم يكفكم التخلص من 5 من شباب مصر، دفعة واحدة! أو كان ينقصهم بعد قتلهم بهذه الطريقة البشعة التي لا تُقتل الحيوانات بها، ألم يكفكم قتلهم، ويكف أهاليهم مرارة فقدهم، على هذا النحو الشنيع؟ كي تتهموهم، دون بينة أو دليل أو حتى مجرد قرينة، بأنهم كانوا «يكونون» تشكيلًا لخطف الأجانب، هكذا دفعة واحدة؟ وما الدليل على هذا؟ ربما إنهم يركبون «ميكروباص»، السائق وإلى جواره آخر، ولكن الملايين من المصريين يركبون وسائل مواصلات مثلها ليل نهار، فهل سيتم قتلهم، ولو عشوائيًا، وتكال الاتهامات لهم بلا مبرر؟ ثم «يرجح» مصدر أمني لا اسم له!
أما حقيقة الموقف فيعلمها الله، ربما يكونون «ضايقوا» ضابطًا للشرطة، أو أتعبوا «رتبة ما» في المرور دون قصد، ربما دخلوا حرمًا يعتبره «الظلمة» مُحرمًا على البسطاء من أمثالهم وأمثالنا، ربما، كل “ربما” هنا متاحة!
ولكن لماذا اتهموا في مقتل «جوليو ريجيني» الطالب الإيطالي الذي عثر على جثته، مقتولًا، وآثار تعذيب مخابراتية بجدارة على جثمانه، وذلك على طريق القاهرة الإسكندرية بعد اختفائه في 25 من يناير 2016، لماذا تم اتهام الخمسة المقتولين بقتل «ريجيني»؟ فذلك لسبب واضح الحقيقة لكل صاحب عقل، المدعو جوليو، إيطالي، وهناك فريق تحقيق من بلده الأجنبي يشارك الجانب المصري، ويدس الفريق الإيطالي أنفه، بل أصابعه في كل تفصيلة؛ وصولًا إلى الحقيقة، وهي بالإيطالي تساوي الحقيقة، بغير التزييف والحقارة المصرية الأمنية المعروفة، ولذلك فإن المخابرات المصرية بفروعها يمكنها أن تعلن توجيه الاتهامات إلى حركة حماس، ثم تسحب الاتهام في مقتل النائب العام المصري «هشام بركات» أو لا تسحبه، ولها أن تبرر بأي كلام والسلام مقتل آلاف المصريين، لكن لدى «ريجيني» الأمر مختلف تمامًا، والأخير ليس طالبًا بالمعنى المعروف لدينا كمصريين؛ إذ كان يبلغ من العمر 28 عامًا، وكان يدرس بالدراسات العليا، حول الاقتصاد المصري، ويراسل جريدة إيطالية «المانيفستو» حول الأوضاع في مصر، لكن باسم مستعار، وهو ما يبدو أنه أوغر صدر ويد و«أعضاء» أخرى في جسد الأجهزة المصرية، فصفته كما تصفي المصريين، ولما جاء النائب العام الإيطالي بنفسه ليحقق في الأمر، ولما قال قائد الانقلاب العسكري لصحيفة «لاريبوبليكا» في 15 من مارس: «إن مصريًا مختفٍ في إيطاليا منذ 5 شهور»، من باب خذوا هذا في ذاك، و«بلاها دوشة» على الطريقة المصرية، فلم تعد للمصري قيمة لدى العسكر، إن قائد العسكر لا يطالب بالكشف عن مكانه، ولا يرسل نائبًا عامًا لذلك، ولا يفتح تحقيقًا، بل يقول:«عادل معوض»، المصري المختفي، بـ «جوليو ريجيني»، من باب «واحد واحد» التعادل الإيجابي في مباريات «السيجة» و«صلَّح»، ولولا جلال الدم لقلتُ أكثر، لم يتعلم قائد الانقلاب أن مثل هذه «الترهات» يلعبها في مصر، بل تقتل العشرات شهريًا، بلا محاسب، ولا «يالوا» وتستمر الحياة في بر المحروسة!
آلمتني صورة الشباب التي نشرتها «الوطن» ورحتُ أفكر في خلافات الإخوان خارج مصر ومقدار فداحتها، عندما تتم تصفية الوطن، بل حينما يتم نحر مصر من الوريد إلى الوريد، هل يمكن تحمل خلافات الإخوان في الغربة التي سارت بلا نهاية، وسيقول قائلهم:
ـ وما لقتل هؤلاء؟ إذا كنا نُقتلُ ونُصفى مثلنا مثله؟!
ومع الاحترام للدماء الزكية الطاهرة التي تسيل من هنا وهناك، وهي أثمن ما لدى الوطن وأعز من كل ما فيه، إلا إن الحقيقة أن خلافات الإخوان فتحتْ المجال لتمادي الظلمة والظلم في مصر إلى ما لا نهاية، وهي كلمة حق في حق فصيل أراه ـ ومازلتُ ـ أفضل ما في مصر شرفًا وقدرة على التنظيم والتماسك، إذا تفرغتم للخلافات الداخلية، والاقتتال الجانبي، والتشكيك والمساومات على الشرف فإلى مَنْ تتركون مصر؟ أخطأتم كثيرًا وقليلًا، وجمعتم بين الخطايا والأخطاء بحسن نية أو بغيرها، لكن الحقيقة أن ما يفعله السيسي في مصر جزء كبير منه إذلال لها، ومن بعد مكايدة سياسية لكم؛ بحثًا عن تنازل هنا، وإتمام لأنقاض الوطن، وهذا الأسلوب معهود في السياسة، ومعروف، كما أن الاستسلام الحالي من طرفكم للحظة، ما هو إلا من دلائل التراجع النفسي عن صدارة الموقف، ودعكم من هذا وذاك، لكن يا سادة! كنتم كمثل «الفطر الحميد» ـ مع الفارق ـ لهذا الوطن، فلمَنْ تدعونه؟ وهل من السياسة أن تفنوا بعضكم برضا أنفسكم من أجل العودة إلى حكم لم يعد من فرصة لكم أن تعودوا إليه؟1
أم أنكم تتفرغون لمزيد من الخلافات الداخلية بينكم، وتتركون هذه الدماء والأرواح لتسيل بلا نهاية؟ وإذا كانت الجماعة في تركيا تختلف حول لائحتها، وتسوغ لنفسها، من أسف شديد، إقرار لائحة فرعونية، بحد وصف الصديق الدكتور وصفي أبو زيد، ليبقى أفراد على سدتها لأطول فترة ممكنة، فأين الخلاص لمصر وللجماعة؟
إنكم تختلفون حول اللائحة، وأنتم تعلمون وتعرفون أن تنفيذها أثمن وأفضل منها، بما لا يعد ولا يقارن من المرات، فمن أين يتأتى التغيير في موقف الجماعة، وطوفان الدماء في مصر؟ أعيدوا حساباتكم من فضلكم؛ فإنه، لا الأمر، ولا الوقت يحتملان!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست