حسناء ستينية بديعة، اتخذت الفضة من شعرها – المصفف بعنايه لافتة – ممثلاً لها، تلفتك تلك الجدية والبساطة في نظراتها وكأنها قادرة على أن تؤلف بين التضادات في انسيابية، تأسرك صفاء ابتساماتها وضحكها .
الرفيقة
قدوة لجيل اتخذ منك الأم والصديقة والجدة بعض الأحيان، أسرت قلوب الجميع بكتاباتك وبوجودك وبتلك العائلة البديعة التي جلت يد الخالق أن جمعها معًا، أسرة رضوى الصغيرة، كبيرة الأثر في أفئدتنا كقراء لها اتخذنا منها أسرتنا الأدبية الأولى بجدارة .
الوداع لا يقع لمن يعشق بروحه حيث لا ثمة انفصال أبدًا
عام على رحيلك يا رفيقة، عام على غياب نصحك وآرائك، عام على فقدك، كنت أدري أن الأحزان تتجمع في نهاية العام ،لكن لم يدر بخلدي أن القدر يخبئ لنا مثل هذا الوداع الصعب. كنت قد شرعت في قراءة الثلاثية مثل كثيرين وفوجئنا بأنباء أن المرض أصر أن يحل عليك ضيفـًا ثقيلاً. بدأ محبوك في تلاوة الصلوات والدعوات رفعناها للسماء؛ لأجل أن تعودي سالمة وبانتصار مجددًا على هذا العدو السمج الذي يأبي أن يعلن الهزيمة بعد، ولكن متى تجيء ألامنيات واقعًا ملموسًا! صحونا على فجيعة فقدك وهزنا ذلك بقوة انتبهنا لرحيل الجمال عن العالم وازدياد الوحشة بفقد عزيز آخر. ودعونا مجددًا لكن دعوات الوداع .
كنت أتمنى زيارتك وأن أتوج كتبي بتوقيعك، كنت أحلم أن أراك بين طلابك وأصدقائك، أو في المنزل بين تميم ومريد أراك حقيقة ملموسة مطابقة لما قرأت. كنت أحلم بذاك اللقاء كثيرًا يا رضوى، سامحينا أن لم يمهلنا القدر .
لكثرة ما اعتدنا وجودك المعنوي بحياتنا اعتقدنا أن هذا اللقاء وإن بعد فإنه قادم، ولأول مرة أدرك ما قاله مصطفى إبراهيم: “يا عشمانين في فرصه تانية للقاء بطلوا أوهام بقى”، حقيقه تتجلى بكل ما فيها من صعوبه استيعاب و استحالة تحقق .
كيف حال اليتيمين بعدك يا رضوي !!
لا أدري كيف مر العام على مريد زوجك المحب من تركت لأجله الموروث والسائد وركضت خلف حبه الصادق! كيف مر هذا العام بدونك، مساندتك وكلماتك؟ من قرأ مريد يعلم أنك ركيزته الأولى وداعمه الأساسي وملاكه الحارس في مواجهه المنفى والشتات، كيف مر العام صدقـًا لا أدري !!
كيف أمسى ابن رضوى عاشور؟ كيف أمسى تميم بعد فقد الأم؟ وأي أم كنت أنت؟ وأية فجيعة هي فقدك؟ سكينة الله لكم آل مريد وشفاء لوجع قلوبكم .
أهدتني صديقتي آخر أعمالك “الصرخة” – كثيرًا من أحاديثنا في حبك وأمنية اللقاء بك – وأقسم لك أنه أغلى كتاب أهدي إلي.
أحببت فكرة مخاطبتك القراء وأحسست أنك تخاطبيني وحدي وتواسيني عن رحيلك وتطمئنيني بأنك هنا دومًا لأجلي وستظلين. أحببت فكرة أنك تحادثيني بعد أن حال الموت دون ذلك حقيقة .
أفتقدك بشدة وأفتقد صورك وابتسامك رغم المرض والألم لما آل إليه حالنا. أفتقد صمودك، ثورتك، عنادك وبهاء مشوراتك. سأفتقد إبداع قلمك وما تجود به قريحتك من أدب. أفتقد اكتمال تلك العائلة بدونك يوجعني رؤيتهم في أمسية على شرفك بغير حضورك، سنفقد وجود ملاك مثلك بيننا .
وتظل ذكرى المعشوقة حية بوجداننا.. أعدك أنا كلما شفنا الوجد سنهرع لكلماتك ونقرأها بصوتك وندخل حديثـًا معك ونتحاور ونتجادل ونختلف ونتفق معًا أخيرًا.
لا وحشة في قبرك يا رضوى. بعد عام لك منا سلام طيب ووردة وكذا بعد ألف عام، طبتي وطاب وجودك بيننا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست