مقدمة
مع اقتراب اليوم العالمي للاجئين في 20 يونيو (حزيران) 2020، وددت الحديث عن اقتصاد اللاجئين. بشكل عام، نعني بمفهوم «اقتصاد اللاجئين» هو كيف يدير مجتمع اللاجئين موارده المحدودة لتشمل مختلف الأنشطة الاقتصادية من كسب العيش والاستهلاك والإنتاج والتبادل التجاري والتمويل وغيرها. وانطلاقًا من هذا المفهوم، تهدف هذه المقالة إلى تغيير الصورة النمطية عن الحياة الاقتصادية للاجئين وتفنيد الادعاءات التي تزعم بأن اللاجئين عادة ما يمثلون عبئًا على الدول المضيفة. ونتيجة لهذه البروباجندا الإعلامية، نرى أن من أهم التحديات القائمة في هذا الخصوص هو تشجيع الدول المضيفة على دمج اللاجئين في مجتمعاتهم؛ مما يعود بالمصلحة على اقتصادات هذه الدول.
بناء على هذه الفرضية وبسبب نقص الأبحاث المرتبطة بها، نشر مركز دراسات اللاجئين التابع لجامعة أكسفورد سنة 2014 تقريرًا هو الأول من نوعه عن الحياة الاقتصادية للاجئين في أوغندا. يعود سبب اختيار هذا البلد الأفريقي لأنه من بين أعلى الدول استضافة للاجئين حيث يقدّر أعداد اللاجئين النازحين من الدول المجاورة بأكثر من مليون لاجئ. أيضًا يرجع السبب الثاني إلى أنّ اللاجئين يتمتعون بحريات أكبر من أي مكان آخر للتنقل والعمل؛ مما يسمح باختبار هذه النظرية على أرض الواقع.
في هذا السياق عَمِلَ الباحثون في هذا التقرير على اعتماد منهجيات علمية مبنية على قاعدة بيانات تجريبية لإعطاء أدلة قوية لأصحاب الرأي العام والسياسيين. تركّز البحث على دراسة سبل عيش اللاجئين وآثاره الاقتصادية على الدولة المضيفة. من خلال محاولة فهمنا للنظم الاقتصادية لحياة اللاجئين، نستطيع تقديم أفكار جديدة تساعد على تحويل التحديات الإنسانية الحالية إلى فرص مستدامة. وبالتالي تغيير النموذج الحالي للمساعدات التي تقودها الدول المانحة. أظهرت نتائج التقرير إلى أنَّ باستطاعة اللاجئين تقديم مبادرات اقتصادية إيجابية للمجتمعات المضيفة إذا ما تم اعتماد السياسات الصحيحة.
تم تنظيم نتائج التقرير بناء على خمس خرافات شائعة تتعلق بالحياة الاقتصادية للاجئين:
1- الحياة الاقتصادية للاجئين منعزلة عن الدولة المضيفة
يميل التصور العام للاجئين في جميع أنحاء العالم على أنهم يعيشون في مخيمات محددة، تقع في مناطق نائية معزولة عن العالم الخارجي. في خارج المخيمات، يُنظر إلى اللاجئين على أنهم يعيشون في مجموعات اجتماعية واقتصادية مغلقة. بناء على هذه الصور النمطية، يفترض اللاجئون بدورهم على أنهم معزولون اجتماعيًا واقتصاديًا إلى حد كبير عن مجتمعاتهم المضيفة.
على عكس هذه الفكرة التقليدية، تكشف نتائج التقرير أن الحياة الاقتصادية للاجئين في أوغندا لا تتواجد في فراغ منعزل عن المنظومة الاقتصادية الأوسع للبلد المضيف. وبدلًا عن ذلك يقوم اللاجئون المقيمون في المستوطنات بالتبادل التجاري بشكل يومي مع مختلف الأعراق والديانات. وعلى الرغم من المسافات البعيدة لمستوطنات اللاجئين الريفية، فإن هذه المواقع «متداخلة» في الاقتصادات الأوغندية المحلية، حيث إنها تجذب السلع والزبائن ورأس المال من خارج المستوطنات إلى أسواقها الداخلية النشطة. في المدن الرئيسة يعمل اللاجئون المستوطنون على بناء شبكة علاقات تجارية واسعة تشمل المواطنين الأوغنديين والتجار من الدول المجاورة.
2- اللاجئون عبء على الدول المضيفة
عادة ما يتم تصوير اللاجئين على أنهم عبء اقتصادي واجتماعي على الدول المضيفة. بالمقابل، يدعي بعض الأطراف أن اللاجئين يسهمون بشكل إيجابي في اقتصادات الدول المضيفة.
في هذا الإطار نرى أن هذا النقاش حول «العبء مقابل المنفعة» ينقصه بشكل عام الأدلة العلمية المبنية على البيانات التجريبية. تتحدث نتائج هذا التقرير عن هذه المعضلة، وتقدم دليلًا على أن اللاجئين في أوغندا يقدمون مساهمات إيجابية في اقتصاد الدولة المضيفة. تتجلى هذه المساهمات في الحجم الكبير للتبادل التجاري بين اللاجئين والمواطنين الأوغنديين. أيضًا تعتمد الشركات الأوغندية بشكل رئيس على اللاجئين كموردين وعملاء وموزعين وموظفين. وفي المقابل يعمل اللاجئون على خلق فرص عمل للمواطنين الأوغنديين وتدريبهم.
3- اللاجئون متجانسون من الناحية الاقتصادية
غالبًا ما يُفترض أن السكان اللاجئين عبارة عن مجموعات متجانسة في الأنشطة الاقتصادية، تتمايز فقط فيما بينها بناء على هويتها الوطنية أو الإقليمية؛ مما يؤدي إلى تعميم السياسات الخاصة بالمساعدات الاقتصادية. بدلًا عن ذلك توضح نتائج التقرير عن التنوع الكبير في الأنشطة الاقتصادية كالزراعة والتجارة التقليدية والإلكترونية والتعليم والحرف المهنية وغيرها. تنتشر هذه الأنشطة الاقتصادية على مستوى مجموعات مختلفة من اللاجئين الذين يعيشون في جميع أنحاء أوغندا حيث إن بعضهم يعتبر من رواد الأعمال الناجحين.
4- اللاجئون أميون من الناحية التكنولوجية
غالبًا ما يُعتقد أنّ اللاجئين أميون من الناحية التكنولوجية إلى حد كبير، أو على الأقل يعرفون استخدام الأجهزة الإلكترونية بالحد الأدنى. هذه النظرة السائدة موجودة عبر صفحات الإنترنت أيضًا. ستجد موضوع «مخيمات اللاجئين» عبارة عن خيام مؤقتة منتشرة على أراضي قاحلة مكتظة بالناس الذين يمكنهم الوصول إلى المساعدات الإنسانية الأساسية، وبالكاد يستخدمون التكنولوجيا الحديثة.
تؤكد نتائج البحث هذه الفكرة السائدة. ولكن على الرغم من وجود عقبات رئيسية في الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن العديد منهم تمكنوا من استخدام التكنولوجيا بطريقة فعالة. أيضًا استطاع بعض اللاجئين أن يبدعوا ويقدموا ابتكارات تكنولوجية لأنشطتهم التجارية باستخدام الموارد المتاحة محليًا. من بين هذه الأمثلة الإبداعية إنشاء محطة راديو خاصة باللاجئين، وتقديم خدمات تصوير حفلات الزفاف المجتمعية والموسيقية وغيرها من الأحداث للعملاء، ثم تحرير اللقطات إلى المونتاج ومقاطع الفيديو التذكارية. هذا الأمر جعل الباحثين يكتشفون مجموعة أوسع من الطرق التي يتفاعل بها اللاجئون مع التكنولوجيا بخلاف أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة فقط. مع ذكر الأخير، تجد أن نسبة استخدام اللاجئين للإنترنت أعلى من عامة السكان في أوغندا بالتزامن مع استخدامهم للهواتف المحمولة على نطاق واسع.
5- يعتمد اللاجئون على المساعدات الإنسانية
غالبًا ما يُنظر إلى اللاجئين على أنهم يعتمدون بشكل كلي على المساعدات من مجتمع المانحين الدوليين. ومع ذلك تُظهر نتائج التقرير دليلًا قويًا على أن هناك العديد من الطرق الإبداعية والمشاريع الريادية التي يطورها اللاجئون للوصول إلى سبل العيش المستدامة. في حين أن العديد من اللاجئين يدرجون المساعدات في خططهم للبقاء، فإنهم يسعون بشكل مستمر في المحاولة للاعتماد على أنفسهم وإدارة مصادر متنوعة من الدخل والغذاء.
الختام
من المعروف بين الأوساط السياسية والاقتصادية والمجتمعية أنّ أفضل الحلول للاجئين تتمثل في تقديم التسهيلات اللازمة لمنحهم مساحة أكبر من حرية الحركة والحق في العمل والدعم في السعي وراء فرصهم الاقتصادية الخاصة، في انتظار العودة إلى ديارهم. غير أنّ غالبًا ما تكون هذه الحلول غير متاحة لعدة أسباب نذكر منها مقاومة الحكومات المضيفة، أو عدم رغبة الجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية في العمل معًا، أو نقص التمويل للخطط القائمة على التنمية لمساعدة اللاجئين. في حالات أخرى كان ذلك بسبب سوء تطبيق ما يسمى «مشاريع سبل العيش» للاجئين من المنظمات الدولية، حيث تم تجريدها من التخطيط الشامل للأنظمة الاقتصادية التي تتم فيها هذه التدخلات. والنتيجة أنهم تركوا لسنوات عديدة في مخيمات أو مستوطنات أو مناطق حضرية فقيرة، مع حقوق وفرص اجتماعية واقتصادية محدودة.
بالإضافة إلى ذلك ستعمل جائحة كورونا على تقويض المساعدات الإنسانية للاجئين بسبب الأزمة الاقتصادية التي سوف تعاني منها معظم الدول المانحة في المستقبل القريب. غير أنّ هذه المحنة قد تخلق فرصة للجهات المانحة والمنظمات الإنسانية بتعجيل السياسات الإصلاحية الخاصة بمساعدة اللاجئين في الاعتماد على أنفسهم، وبالتالي المساهمة الإيجابية في اقتصادات الدول المضيفة. في المقال القادم سنقدم بعض التوصيات السياسات المبنية على الأدلة العلمية في هذا الخصوص.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست