في رائعة الراحل علي سالم «بكالوريوس في حكم الشعوب»، ذهب «طارق الريس» وبعض الحكام العسكريين إلى أكاديمية تتبع الأمم المتحدة ليحصل على بكالوريوس في حكم الشعوب ليتحول من حاكم عسكري إلى حاكم مدني ديمقراطي، والحقيقة غير ذلك، وقد هتف بها طارق الريس وفضحهم في الخطبة التي ألقاها أمام تلك الأكاديمية الأممية في حفل تخرج أولئك الحكام العسكريين فيها، ومما قاله:

(إن الديمقراطية لا تدرس إنما تمارس. والديمقراطية لا تصنعها المعاهد أو حسن النوايا، ولكن تصنعها الشعوب بأن تصر عليها وتموت من أجلها. وهذا الذي تصنعونه خدعة، تضاف إلى الخدع التي تلعبونها على بلادي – العالم الثالث – والذي أصبح بفضل ألعابكم الشيطانية عالمًا رابعًا وخامسًا وسادسًا وسابعًا…)[1].

ولما تقدم باستقالته، قُطع الإرسال عنه.

ولم يخبرنا علي سالم في مسرحيته السالفة عما سيحدث لأولئك الحكام العسكريين بعدما عادوا إلى الحكم وهم يرتدون البذلة المدنية وفي أيديهم ذلك البكالوريوس المزعوم والذي يدل على أنهم أصبحوا حكامًا مدنيين وديمقراطيين.

ولقد رأينا بأم أعيننا فظائع أولئك الحكام العسكريين في قارات الدنيا الخمس بعدما قاموا بانقلابات واستولوا على الحكم ثم خلعوا البذلة العسكرية (الكاكي) وارتدوا البذلة المدنية وادعوا أنهم أضحوا حكامًا مدنيين، ومن هذه الفظائع:

1- تغليب النظام السياسي لصالح أقلية معينة يوفر لها حقوقًا كثيرة على حساب الأكثرية المحرومة من كل شيء

وهذه الأقلية هي (العسكريون والشرطيون والقضاة)!

انظر إلى زيادة مرتبات هذه الفئات أربع مرات منذ انقلاب 3/7/2013 وحتى الآن في مصرنا المكلومة، وفي الوقت نفسه، تم خصم عشرة في المائة من مرتبات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وإصدار قانون الخدمة المدنية الذي سيدمر طبقة الموظفين الحكوميين.

انظر أيضًا إلى مستشفيات القوات المسلحة والشرطة (السبع نجوم) وقارنها بمستشفيات الجماهير في وزارة الصحة المصرية، وانظر إلى نواديهم (الخمس نجوم) ونوادينا!

2- عدم المساواة بين السكان في الوظائف والتعليم

فالشرطة والقضاة والمناصب العليا في الجيش – على سبيل المثال – محجوزة لفئة معينة وليست لباقي الشعب.

3- مشاريع (الفناكيش)

مثل صاروخ الظافر وشقيقه القاهر أيام عبد الناصر، وجهاز كفتة عبد العاطي والمليون ونصف فدان والمؤتمرات الاقتصادية والتي لا تثمر بأي ثمرة تنعكس على الاقتصاد، ونجد عملتنا المصرية تنهار انهيارًا مروعًا بالرغم من قيام تلك المؤتمرات الاقتصادية!

فالتنمية الاقتصادية الحقيقة غائبة تمامًا. والدخل القومي في هبوط. والشفافية في قمة العتامة. والفساد على أحط درجة من الانحطاط.

4- تدخل الدول الدائنة في أكبر وأصغر وأدق شئون الدولة المدينة

فالانهيار الحاد في الاقتصاد وما يتبعه من استفحال الديون يؤدي إلى تدخل الدول الدائنة في كل شئون الدولة المدينة ومنها – على سبيل المثال – قناة السويس التي ستصبح مرهونة للدول الدائنة لسنوات عديدة؛ يعني سيعاد عصر الخديوي إسماعيل في مصر القرن الحادي والعشرين!

وهذا يفسر لنا سر الديون التي تتدفق على بلدنا الآن بالرغم من انهيار الاقتصاد.

5- هجرة أصحاب العقول من الأوطان

فالتمييز بين فئات الشعب في الوظائف والرواتب يؤدي إلى هجرة أصحاب العقول من الأوطان، وحتى الاغتراب يحدث داخل المجتمعات ذاتها؛ لأن غالبية الشعب تشعر أن البلد ليست بلدهم، إنما هي بلد فئات معينة فقط!

[c5ab_facebook_post c5_helper_title=”” c5_title=”” url=”https://www.facebook.com/363560433827747/videos/378358262347964/” width=”” ]

6- انتهاك القانون والدستور وحقوق الإنسان

في مصرنا المكلومة، تصفية المعارضين تتم على أًسرّتهم وأمام أهلهم، ويُخطف المعارضون قسريًّا ويقبض على أهلهم حين يأتون للسؤال عن ذويهم، وحتى الطالب الذي يضبط ومعه مسطرة فيها شعار رابعة يقبض عليه ويظل رهن الحجز أكثر من ثلاث سنوات، وفي الوقت ذاته، يُفرج عن ممثلة مقبوض عليها بتهمة إدارة شبكة دعارة في غضون أيام معدودة!

7- تحويل البلد إلى سجن كبير

تقول جريدة المصريون في عدد الجمعة 11 مارس 2016:«رصدت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات منع 254 شخصًا من دخول مصر خلال الفترة من 3 يوليو 2013 وحتى الآن، بالإضافة إلى تعنت السلطات الأمنية في السماح بالسفر إلى 16 دولة تحتاج إلى تصريح أمني قبل السفر إليها».

والسفر للعمل يحتاج إلى تصريح عمل، وتصريح العمل يتم من خلال جهات أمنية منها جهاز الأمن الوطني كما هو حادث في مصرنا المكلومة منذ انقلاب 1952 وحتى الآن.

8- ازدياد الانشقاقات داخل الأجهزة الحاكمة نفسها:

ويحدث الصراع بينها بسبب عدم وجود دولة المؤسسات والقانون.

9- ازدياد الإرهاب والنزعات المسلحة وتشتيت قوى الأمن:

إرهاب داعش في سيناء خير مثال.

ومن 1 إلى 9 عبارة عن مؤشرات وعلامات للدولة الفاشلة كما هو متعارف عليه حاليًا على يد كلٍّ من جيرالد هيل وستيفر راتنر من خلال دراسة نُشرت لهما عام 1993 بمجلة «السياسة الخارجية» الأمريكية، وكذلك دراسة ويليام زارتمان عن الدولة المنهارة عام 1995.

 ترتيب الدول العربية في مؤشر الدول الفاشلة:

في مؤشر الدول الفاشلة للدول العربية والذي نشرته مؤسسة صندوق السلام، نجد أن دولة جنوب السودان هي الأولى، والصومال الثانية، والسودان الرابعة، واليمن السابعة، وسوريا العاشرة، ومصر في الترتيب رقم 38.

سوريا:

صنف مؤشر الدول الفاشلة لعام 2015 سوريا ضمن أعلى عشر دول تواجه إنذارًا شديدًا بانهيار الدولة حيث بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين حوالي 3.96 ملايين لاجئ، ولا يزال هناك ما يقدر بـ9 ملايين سوري في حاجة للمساعدة داخل الأراضي السورية.

 اليمن:

اليمن أيضًا صنفت ضمن أعلى عشر دول تواجه إنذارًا شديدًا بانهيار الدولة بسبب الصراع الدائر هناك إثر حركة الحوثيين التمردية في أغسطس 2014 والفوضى الضاربة بأطنابها في أغلب المناطق لدرجة أن الصراع تحول إلى حرب أهلية، وحتى الدعم على الوقود شح في المناطق الفقيرة، وأدى هذا إلى فروق اقتصادية واجتماعية بين المناطق المختلفة مما ساعد على الهجرات الداخلية واستفلحت معاناة الجماهير، ومن المتوقع أن يستمر الصراع لفترات طويلة.

ليبيا:

يوضح تقرير «مؤشر الدول الفاشلة» لعام 2015 استمرار تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الليبية منذ اندلاع ثورة 17 فبراير 2011 لتحتل المرتبة الخمسين من أصل 177 دولة بعد أن كانت بالمرتبة الـ111، وذلك وفقًا لتقرير 2012. يعني ليبيا 2015 تدهورت كثيرًا عن ليبيا 2012.

مصر:

سجلت مصرُ قبل الثورات العربية مركزًا متقدمًا للغاية في مؤشر الدول الفاشلة، وجاء ذلك انعكاسًا للأوضاع السياسية و«تراجع نسب المشاركة في الحياة السياسية في ظل نظام ديكتاتوري يهدف إلى توريث السلطة، فضلًا عن انتهاكات حقوق الإنسان»، أما بالنسبة للأوضاع الاقتصادية فنظرية تساقط الثمار التي اتبعتها الحكومة المصرية أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وسوء توزيع الدخل، وما نتج عنه من هجرة داخلية بحثًا عن سبل تحسين المعيشة، وكذلك هجرة خارجية، حيث تشير الدراسات إلى أن نسبة هجرة العقول في مصر تصل إلى 60% من إجمالي المهاجرين، وهي نسبة كبيرة تضر بعملية التنمية، فضلًا عن هجرة الطبقات المنتجة.

وواصلت مصر تقدمها على مؤشر الدول الفاشلة بعد ثورة 25 يناير 2011 نظرًا لما شهدته من توترات على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومنذ عام 2013، دخلت مصر مرحلة الإنذار بانهيار الدولة؛ حيث انحدرت 11 مركزًا عن عام 2011 لتصبح في المرتبة 34، وتستمر في التراجع عام 2014 لتصبح بالمرتبة 31، ويتضمن هذا التراجع كافة المؤشرات «شرعية الحكومة، حقوق الإنسان، الوضع الاقتصادي، وتنامي الفقر، المستوى الأمني»، ولكن يبقى مؤشر التدخل الخارجي على نفس معدله، وجاء تقرير مؤشر الدول الفاشلة لعام 2015 ليعكس تطورًا طفيفًا حيث جاءت مصر في قائمة الدول التي تُنذر بتحولها إلى دول فاشلة في المرتبة 38[2].

Untitled

وإذا جمعنا هذه الفظائع فسنجد أن تفشيل الشعوب والدول هو المحصلة النهائية لأولئك الحكام العسكريين سواء ارتدوا البذلة المدنية أم ظلوا كما هم بالذلة العسكرية، سواء كانوا حكامًا من الجيش كمبارك وسيسي مصر وقذافي ليبيا وعبد الله صالح اليمن، أو كانوا بالداخلية كابن علي تونس، أو كان عسكريًّا ذا خلفية مدنية (طبيب عيون) كبشار أو جزار سوريا، أو حتى (كاباكا) الحاكم العسكري الإفريقي وأترابه، في مسرحية عالي سالم السالفة «بكالوريوس في حكم الشعوب».

__________________________________________________________________________________________

[1] انظر ص 413  من مسرحية بكالوريوس في حكم الشعوب.

[2] انظر إلى مقالة الأستاذ أحمد محمود مصطفى «أوضاع الدول العربية على مؤشر الدول الفاشلة 2015» بتاريخ 30/9/2015 في موقع «المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية».

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد