ليس في المقاربة انتقاص من شخص الحمار الحائر فله منا كل الاحترام والتقدير،
لكن لا منطق الأمور المسير لكل شيء في المحروسة، فرض علينا مقارنة ظالمة بحقه ومن يماثلونه، فالضجة المثارة حوله من قبل بعض متصدري الشاشات وكتبة الأعمدة الصحفية، ترتكز على استنكار وجود كائن مثل هذا في مكان كهذا.
والحقيقة أن هناك من هو أولى بالاستغراب والاستنكار.
يدفع بعضهم بأنه أتى هكذا من لا مكان، فلا أحد يدري متى تسلل أو كيف تسلل، في المقابل نظيره الذي كان لوقت قريب لا يعرفه منا أحد، ثم صار ملء الأسماع والأبصار، لا يبدو أن معظمنا يحيط بتفاصيل هامة عنه وعن مسيرته، إنما هي خطوط عريضة ومعلومات عامة، وبرغم ذلك فقد تمشى الهوينى تحت أنظار الجميع، مدعيًّا أن طريقه واضح ومحدد سلفًا، ولم ولن ينتهي إلى عين المكان الذي خمنه كثيرون.
وبرغم تنبيهات البعض وتحذيراتهم، شُنت حملات مأجورة وموجهة للإقرار بحقه في المسير لأي تجاه يشاء، وعلى أي درب يريد، وحتى.. حتى لو قادته قدماه على غير رغبته إلى هذا الموضع الهام، والمقصد الحساس فمن حقه أن يجرب، “مجتش عليه يعنى”.
لا يليق بكائن كهذا أن يكون في مكان كهذا، عيب.. فضيحة.. إساءة لسمعة مصر التي امتهناها وأزرينا بها صباح مساء.
فليكن.. معهم حق، لكن الإنصاف يقتضي أن نطبق قانون العيب ذاته، ومعايير الفضيحة ذاتها على الكائن النظير، ولو عدلنا في تقييمنا، وحكمنا فقه الأولويات وقاعدة جلب المنافع ودرء المفاسد الأصولية “قد نحتاج للسيد إسلام البحيري دون غيره في مثل هذه الحالة!!!”، فميزان الإنصاف سيميل لصالح الحمار الذي – وإن أثار الاستياء والضيق- لم يرفس أويظلم أو يسجن أو يعذب أو يقتل أحدًا باسم أحد أو نيابة عن أحد.
https://www.youtube.com/watch?v=hjumUn4F8mU
لا نعرف من أين أتى الأول، لكننا نعرف من أين أتى الثاني، سلالة الأول سماتها معروفة، سيرتها جلية، وتاريخها واضح لا شائبة فيه إلا حوادث متفرقة هنا وهناك لا تدين الكل بقدر ما تدين أصحابها، ونهجها في التعامل مع أبناء جنسها بل والآخرين لا يعطي الفرصة لأحد كي يصدر بحقهم، حكمًا قاسيًا أو متجاوزًا لما يقره الواقع ويشهد به التاريخ.
سلالة الثاني وسبحان الله نعرف تمامًا ما فعلت في كل بلاد المعمورة، السمات واحدة، السيرة محفوظة، النهج ثابت لا يتغير، والمآلات ذاتها بلا تعديل ولو طفيف، السجل ناصع السواد، والتاريخ والحاضر يتصارعان كتف بكتف لإدانة الأموات منهم قبل الأحياء، والأحكام المتعلقة بهم تغص بها كتبنا قبل كتب الأمم الخالية والحالية، لكن رجال الدرك وأذيالهم لا يأبهون لمن يرفس، فديته معروفة وهينة.
أما من يسحل ويشرد ويقف حارسًا على محبس المنافع والمصالح، فله أن يفعل ما يشاء بمن يشاء.
حالة الهلع الساخر، والفزع المفتعل من تجاوز افتُضح أمره، أو تقصير وانعدام كفاءة يتواطأ منفذو التعليمات والكتبة على إبداء الاستغراب لعدم وجودها وديمومتها.
لا تزن عند من يعرفون “اللي فيها”- وأنت منهم أثق في ذلك- ذرة من قيمة أو لمحة من أهمية.
تحية تقدير للحمار الحائر، أو التائه، أو الهائم، فبرغم الخلاف الناشب حول ما قام به من اختراق ، أو تعدٍ، أو انتهاك لحرم المطار وساحاته المقدسة عند أهله.
إلا أنه – وهذا يكفيني بشكل شخصي- لم يدر بخلده يومًا كما فكر آخرون، أن مجرد وصوله بطريقة أو أخرى لمكان لا يناسبه ولا يفترض وجوده فيه، يجعله جديرًا دون أية مؤهلات أو مبررات أخرى بأن يحكمنا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست