مدخل

في عصرنا الحديث لم تعد العملية التعليمية كما كانت في السابق قائمة على التلقين والتحفيظ، دون مراعة الفروق الفردية بين الطلاب، ودون إشراك فعال للطالب ذاته في العملية التعلمية كمحور أساسي لها، ولقد عني المسؤولون عن العملية التربوية بتفعيل دور الطالب في العملية التعليمية، أو إيجابية المتعلم، وجعله محور للعملية التعليمية داخل الغرفة التعليمية في (الروضة، أو المدرسة، أو الجامعة)، بحيث يكون مشاركًا في العملية التعليمية، معتمدًا على ذاته في الحصول على المعلومات، وليس مجرد مستمع ومتلقٍ لها فقط، فيعطى للطالب كل المجال للقيام بنشاطات مختلفة هدفها فهم محتوى المادة التعليمية بعيدًا عن التلقين، ولقد أكدت البحوث التربوية أن الأطفال كثيرًا ما يخبروننا بما يفكرون فيه، وما يشعرون به من خلال لعبهم التمثيلي الحر، واستعمالهم للدمى والمكعبات والألوان والصلصال وغيرها، ويعتبر اللعب وسيطًا تربويًّا يعمل بدرجة كبيرة على تشكيل شخصية الطفل بأبعادها المختلفة؛ وهكذا فإن الألعاب التعليمية متى أحسن تخطيطها وتنظيمها والإشراف عليها تؤدي دورًا فعالا في تنظيم التعلم، وقد أثبتت الدراسات التربوية القيمة الكبيرة للعب في اكتساب المعرفة ومهارات التوصل إليها، إذا ما أحسن استغلاله وتنظيمه.

تعريف أسلوب التعلم باللعب

«يعرّف اللعب بأنه نشاط موجه يقوم به الأطفال لتنمية سلوكهم وقدراتهم العقلية والجسمية والوجدانية، ويحقق في نفس الوقت المتعة والتسلية».

«وأسلوب التعلم باللعب هو استغلال أنشطة اللعب في اكتساب المعرفة، وتقريب مبادئ العلم للأطفال وتوسيع آفاقهم المعرفية».

وقد عرفه البعض بأنه نوع من الأنشطة لها مجموعة من القوانين التي تنظم سير اللعب، وعادة ما يشترك فيه اثنان أو أكثر للوصول إلى أهداف مسبقة التحديد، ويدخل في هذا الأسلوب عنصر المنافسة والتفاعل مع الآخرين واحترام آراءهم، كما يثير عقول الأطفال على التفكير، وذلك لأن لكل لعبة قواعدها وأنظمتها التي لا بد من اتباعها لتحقيق الفوز، أو لتحقيق أهداف اللعبة.

فوائد أسلوب التعلم باللعب

  • يتعلم الطفل باللعب، فهو يلعب ويتعلم ويكبر في الوقت نفسه، وهذا يحقق له الكثير من الفوائد، لأن اللعب يسهل له التعلم بطرق متعددة:
  • تحسين المهارات مثل الألعاب التركيبية؛ لأنها تعلم الطفل استخدام يديه كأدوات للعمل. كما ينمي اللعب تناسق الحركات، وينعكس ذلك مباشرة وعفويًّا على الجسد.
  • يغير اللعب نظرة الطفل للعالم؛ لأنه حين يلعب في موضوعات مثل حيوانات المزرعة، أو الخضار… فإنه يقوم بترتيب، وتصنيف الحيوانات والنباتات في فئات ووضعها في المكان الذي يناسبها.
  • يتمثل الطفل في اللعب أدوار الكبار وسلوكهم.
  • يشحذ اللعب الفضول وروح الاستقلالية وتذوق المغامرة، كما يشجع على التخيل حيث تنمي ألعاب «البازل» وألعاب الابتكار قدرات التخيل وتنشط تشكيل التخيل الإبداعي.
  • يقود اللعب الطفل إلى تعرف ذاته، ويسمح له بتحديد نقاط القوة، وكذلك نقاط الضعف لديه. كما يؤكد ذاته من خلال التفوق على الآخرين فرديًّا وفي نطاق الجماعة.
  • يتعلم التعاون واحترام حقوق الآخرين من خلال مشاركته في الألعاب الجماعية، كما يتعلم احترام القوانين والقواعد ويلتزم بها من خلال تنفيذ قوانين اللعبة والالتزام بها.
  • يعتبر التعلم بواسطة اللعب أداة فعالة في تفريد التعلم وتنظيمه لمواجهة الفروق الفردية وتعليم الطلبة وفقًا لإمكاناتهم وقدراتهم.

الأهداف التعليمية للعب في مرحلة الطفولة

للعب في حياة الطفل جوانب مهمة متعددة منها

1- اللعب أداة لتطور للأطفال

أثبتت الدراسات والأبحاث أن الألعاب بأشكالها ومستوياتها المختلفة تعتبر ضرورية لنمو العضلات، ولاكتساب المهارات الحركية التي يحتاجها الطفل في تكوين الجسم القوي السليم. فاللعب يمكن أن يؤدي إلى:

  • تنمية عضلات الطفل بشكل سليم، ويساعد على التخلص من الطاقة الزائدة عند الطفل، والتي إذا حبست سوف تجعل الطفل متوترًا، وعصبيًّا، وغير مستقر.
  • يساعد على تنمية مهارة الانتباه، والإدراك، والتخيل، والذاكرة، والإرادة، والضبط الذاتي عند الطفل.

ويمثل اللعب وسيلة تعليمية تقرب المفاهيم، وتساعد في إدراك المعاني للأشياء، كما يساعد استخدام الألعاب كوسائل تعليمية على تثبيت المعلومات، فالمعلومة التي يتم تقديمها من خلال لعبة يكون فيها عنصر الحركة، كما يستخدم فيها أكثر من حاسة، لذا فإن التعليم باللعب يكون أكثر ثباتًا من غيره. وذلك لأن الألعاب تساعد على تنشيط الطلبة لاستيعاب المعلومات والقدرة على التفكير، وتبعد عنهم الملل.

2- اللعب أداة تعلم واستكشاف

يمكن للمعلم استخدام اللعب في اكتشاف ما يأتي:

  • اكتشاف مظاهر الاضطراب في شخصياتهم، والتعرف إلى مراحل النمو العقلي التي وصل إليها الأطفال.
  • اللعب أداة تعلم وتنشيط للقدرات العقلية عند الطفل، فعن طريق اللعب يكتشف الطفل العالم الذي يحيط به، ويكتسب الكثير من المعلومات والحقائق عن طريق اللعب بالأدوات والتفاعل معها، والتعرف إلى الخصائص الحسية لكل ما يتصل به من أشياء وأشخاص، فيتعرف إلى الأشكال والأحجام والألوان، ويتعرف إلى خصائصها والعلاقات بينها؛ مما يثري عقل الطفل بالمعرفة عن المحيط الذي يعيش فيه.

يحتاج اللعب إلى فهم وحفظ قواعد اللعبة وقوانينها البسيطة والمعقدة وتطبيقها؛ مما يدفع الطفل إلى تنمية مهارة التفكير عنده، والارتقاء بها من مستوى التذكر إلى مستوى التحليل والتركيب والابتكار.

تطبيقات عملية على إستراتيجية التعلم باللعب

وفيما يلي تطبيقات عملية حديثة قام بصياغة فكرتها وإعدادها وتنفيذها أ/ ربيع عبد المولي، ولقد كانت لها الأثر الإيجابي في رفع مستوى طلابه التحصيلي، موظفًا الميل الفطري للعب عند المتعلمين، والمقرون بالمتعة، في إحداث تعلم فاعل معزز بالرغبة والحماس والاهتمام؛ مما أدى إلى سهولة استذكار المعلومات عند طلابه، وتنمية مهارات الكتابة والقراءة لديهم.

لعبة البلياردو

الفئة المستهدفة: طلاب الصف الثاني الابتدائي.

عرض الفكرة:

وفيها يطلب المعلم من طالبين أن يقوما بقراءة الكلمات أعلى الثقوب الموجودة بزوايا طاولة اللعبة، يتنافس كلٌّ منهما في إلحاق الكلمة الموجودة على الكرة بمهاراتها اللغوية التي تمثلها، وذلك بإدخالها بالثقب الخاص بها، وذلك عن طريق عصا توفر لكل متسابق، ومع تحديد وقت زمني يبدأ الطالبان في اللعب باستمتاع وتحد، والفائز هو من يدخل أكبر عدد من الكرات في مكانها الصحيح، واللعبة هدفها تنمية المهارات الحركية لدى الطالب، وتنمية مهارة التمييز بين اللام الشمسية واللام القمرية، والتاء المربوطة والهاء والسكون لدى الطالب، فبدلًا من تلقينه المهارة دون الاهتمام بمدى استيعابه لها، نقوم بربطها بشيء محبب إلى النفس وهو اللعب، فيصبح التعليم أكثر إمتاعًا، وتنمي عند الطالب مهارة التفكير والاستنتاج وروح المنافسة.

الأدوات المستخدمة:

لوح كبير من الفلين- كرات من الفلين- أقلام تلوين- شريط لاصق- أوراق قص ولصق- مقص- مسطرة.

لعبة السحب والإفلات

الفئة المستهدفة: طلاب الصف الثاني الابتدائي.

عرض الفكرة:

وفيها يقوم الطالب بسحب بطاقة من الجيب المثبت بلوح اللعبة، وقراءة الكلمة المكتوبة عليها، ثم وضعها في مكانها الصحيح داخل الدائرة مع تحديد وقت معين لإنهاء سحب البطاقات ووضعها في أماكنها الصحيحة، ومن ينهي إدخال الثلاث بطاقات في أماكنها الصحيحة، وفي أسرع وقت يصبح هو الفائز. والهدف من اللعبة هو تنمية مهارة المدود الثلاثة (المد بالألف والواو والياء) ومهارة القراءة السريعة لدى الطلاب.

الخامات والأدوات المستخدمة:

ألواح فلين- مسدس شمع- مقص- فرجار- مسطرة- أقلام تلوين.

لعبة الكتابة بالحصى

الفئة المستهدفة: طلاب الصف الثاني الابتدائي.

عرض الفكرة:

وهذه اللعبة تقوم على المتعة الذهنية واستخدام الحواس الخمس وتوظيفها في تعلم المهارات الإملائية، وفيها يقوم المعلم بإملاء طالبين كلمة أو أكثر، والمطلوب منهما كتابتها بالحصى، ومن يتمكن من كتابة الكلمة المطلوبة منه في أسرع وقت وبشكل صحيح يكون هو الفائز، والهدف من هذه اللعبة هو تنمية المهارات الإبداعية والإملائية عند الطالب، وتوظيف أكبر عدد من حواس الطالب في العملية التربية من سماع، وإبصار ولمس وتنمية مهارات التفكير وحضور الذهن بتوظيف اللعب الذي هو متعة وإثارة للطالب في تعلم اللغة العربية؛ مما يرسخ المعلومة في ذهنه.

الخامات والأدوات المستخدمة:

حصى- لوح فلين كبير- مسدس شمع- قاطع.

ومثلها لعبة الكتابة على الرمل، والتي فيها يقوم الطالب بكتابة الكلمة المطلوبة منه بأصبعه على الرمل الموجود بالحوض، فيُجمع له بين اللعب الذي هو محبب للنفس وترسيخ المعلومة والمهارة المطلوب منه إتقانها.

لعبة صيد السمك

الفئة المستهدفة: طلاب الصف الثاني الابتدائي.

عرض الفكرة:

وفيها يطلب من طالبين قراءة الكلمات الموجودة على كل سمكة قبل صيدها أولًا، مع تحديد وقت زمني محدد للمسابقة، ويطلب المعلم من الطالب المتسابق التفكير جديًا لإكمال الحرف الناقص في الكلمة بأحد المهارات التي تم دراستها سابقًا، ومن ينتهي أولًا من إتمام الكلمة يصبح هو الفائز، وفيها تنمية المهارات الحركية والذهنية عند الطلاب، وإثارة أذهانهم.

الأدوات المستخدمة:

قطع فلين يتم نشرها بمنشار الأركت وباستخدام السنفرة الناعمة يتم تنعيمها لتشكيلها فيما بعد- سنفرة ناعمة- مسدس شمع- قاطع- عصوان.

وبعد تطبيق تلك الألعاب على العملية التعلمية تبين لنا حرص الطلاب على المشاركة الفعالة في العملية التعليمية واندماجهم، وإتقانهم للمهارات المطلوبة منهم تعلمها بشكل جيد.

معايير مهمة يلزم الأخذ بها عند تطبيق إستراتيجية التعلم باللعب

وأختم إطلالتي تلك بأهم المعايير التي تحكم المعلم عند اختيار الألعاب التعليمية بهدف جعل العملية التعليمية أكثر إثارة وإمتاعًا:

  • أبرزها وأهمها مدى اتصال الألعاب بالأهداف التعليمية الخاصة التي يسعى المعلم لتعليمها، فلا يختار المعلم الألعاب لمجرد أنها لعبة محببة للطالب؛ بل لا بد من مراعاة إتصالها بالدرس وارتباطها بالأهداف المرجو تحقيقها من خلاله.
  • مناسبة هذه الألعاب لأعمار التلاميذ ومستوى نموهم العقلي والبدني.
  • أن تساعد هذه الألعاب المتعلم على التأمل والملاحظة والموازنة والوصول إلى الحقائق بخطوات مرئية منطقية.
  • خلو هذه الألعاب من أية مخاطر، وأن تكون آمنة الاستخدام.
  • أن تساعد هذه الألعاب المعلم على تشخيص مدة نمو المتعلم من اكتساب الخبرات المطلوبة، والتعرف إلى أماكن الضعف في تحصيله، ثم تزويده بالخبرات المناسبة التي تعالج ذلك.
  • أن تتصل هذه الألعاب ببيئة التعلم.
  • أن تكون قواعد اللعبة سهلة وواضحة وغير معقدة.
  • أن تكون هذه اللعبة مثيرة وممتعة.
  • أن تكون اللعبة مناسبة لخبرات وقدرات وميول التلاميذ.
  • أن تعطي هذه اللعبة التلميذ شيئًا من الحرية والاستقلالية.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد