العمل الإصلاحي بين الواقع والخيال
إنَّ اختلاف المفاهيم والمصاديق لدى المجتمع الشبابي الحركي ولَّدَ الكثير من المغالطات الفكرية في العمل الميداني، والتي تمركزت في جوهر الحركة الإصلاحية والثورية التي استهدفت أنظمة الحكم في شتّى الدول وبالأخص العراق، وما تحملهُ أجواؤه العامة من توجهات وحركات شبابية مختلفة، أعلنت صرختها بوجه الفساد، وندَّدت بضنكِ المعيشة.
فلو ارتكز العمل الميداني على أساسيات معرفية تنسجم مع الواقع المجتمعي والسياسي، فأين ستُرسم خطوة الشباب الأولى على الصعيد الإصلاحي التوعوي؟
يطالب بالإصلاح أم بالعصيان أم بالثورة؟
سنتطرق في هذا المحور إلى مفاهيم شمولية متعددة وكيفية وصول مصاديقها إلى أرض الواقع.
يُعتبر الإصلاح في طليعة المهمات الصعبة التي تواجهها فئة الشباب بسبب المصدات السياسية، أو ما يسمّى بـ«حكومة الخواص» والعقلية الهرمية في إدارة الحكم والتفرد بالسلطة من قِبَلِ أجيالٍ شاخت في العملية السياسية ولم تقدّم سوى خرابٍ مُقنّع مع نظريات بالية، أضعفت الدولة وجَمّدت عجلة التطوّر على كُلِّ الأصعدة، لذا كان ولا بُد من انتفاضة شبابية تتبنّى بناء الدولة بخطوات حركية سياسية تستند لعدة مفاهيم،
ومنها:
«الإصلاح السياسي» إنّ المسمّيات على حد تعبير «ألكسندر دوفاي» تحمل دائمًا قدرًا كبيرًا من الاعتبارات الأيديولوجية، وتكشف عن مميزات أرستقراطية معينة، لذا سيتم اختصار وتوضيح هذا المنحى بصورة مبسّطة، وسنسلط الضوء حول إمكانية تطبيق هذا المفهوم بالشكل الذي يتوافق مع معناه الحقيقي.
*تعرّفُ الموسوعة السياسية (الإصلاح) بأنه:
«نمو أو تطور مُكتسب في شكل الحكم أو العلاقات» الاجتماعية دون المساس بها»، والإصلاح – خلافًا للثورة – ليس سوى تحسين في النُظم السياسية والاجتماعية القائم دون المساس بأسس هذا النظام.(١).
إنّ «الإصلاح السياسي» المرهون بطبقة سياسية فاسدة، أشبه ما يكون بعلاج داء الذي لا دواء له، فقد يؤجل هذا العلاج من تدهور المرض لا أكثر». ويستعمل عادة للحيلولة دون الثورة أو لتأخيرها.
(ويمكن القول بأن الركيزتين التوأمين لإصلاح الحكم هما:
دولة كفوءة ومجتمع مدني مؤثر، وعليه فإن برنامج الإصلاح ينبغي أن يتضمن:
إصلاح جوهري للحكم الذي يشمل: (نظام التمثيل، التشريع، القانون، المشاركة…. إلخ).
وتفعيل صوت الشعب (تعزيز الحكم، تنمية المجتمع المدني، الإعلام المستقل). (2)
وإذا أردنا الخوض في غمار هذه العملية، فلن نتمكن من إيجاد تجربة حقيقية من التجارب السياسية السابقة، والتي أخذت على عاتقها نوعية الإصلاح وكيفية تطبيقه السطحي فحسب، إذ أخذت كل حالة «طابعًا أيديولوجيًا «يرتبط بالعوامل الديموغرافية وتركيبة المجتمعات من الناحية السياسية والثقافية، أما في ما يخص أنظمة الحكم التي تحمل على عاتقها الشروع بالعمل الإصلاحي، هناك سمات يجب تتوافر فيها، ومنها:
امتلاك آليات تطور حقيقي ومستمر لكي تتمكن من احتواء القوى السياسية والحركات الثورية ورفع مستوى الكفاءة.
«إنَّ إعادة الثقة النظام المواطن يبدأ بسنح الفرصة بالمطالبة بالإصلاحات ونقد السلطة إضافةً إلى المشاركة في تصحيح تخبطاتها». (3)
أما في ما يتم طرحه في الأنظمة العربية على وجه العموم والعراقية على وجه الخصوص من آراء جامدة وإصلاحات ملتوية تطالب بها المجتمعات الشبابية خوفًا من فقدان المُسلّمات، فقد نرى جهات سياسية وتيارات دينية تقف وتعطل مسارات الإصلاح السياسي.
لذا استطاعت الأحزاب السياسية والتيارات الحاكمة أن تضع المجتمع الشبابي بين مطرقة التقارب وسندان التداخل، والسير بهم نحو تصادم فكري يؤدي بالأمر إلى مجرد شعارات مبطنة وخداع لغوي يحد من ظاهرة الاحتجاجات المطالبة بالتغير، فالإصلاح أو التحول الديمقراطي دائمًا ما يهدف إلى التغير شبه الجذري للنظام السياسي، رغم نقاط الالتقاء العديدة التي تصب في وصف دقيق ومستمر لطبيعة التحولات التطبيقية في النظم السياسية وجوهر نظام الحكم المتبع.
إن القوة الضابطة للعملية السياسية دائمًا ما تكوّن الجماهير، وبالخصوص الفئة الشبابية التي تعتبر ضابطة لإيقاع الأحزاب السياسية الإسلامية وغير الإسلامية في دفة الحكم.
إنّ ما شهدتهُ الساحة العراقية من احتجاجات واعتصامات، أحرجت الحكومة في العقد الأخير بالخصوص في عام 2018، والتي استفتحت بها محافظة البصرة قبل كل المحافظات العراقية نسبة لسوء الخدمات والفساد المستشري بين المفاصل الإدارية، فخرج الفوج الشبابي في عموم البصرة وبدأت منذ أوائل عام 2018 واستمرت لأكثر من شهر بين كر وفر بين الجماعات المنتفضة، حتى استشهد 19 شابًّا وأكثر من 75 جريحًا حسب إحصائية (منظمة حقوق الإنسان) وقد أسفر عنها حرق أكثر من 21 مكتبًا سياسيًّا، وكذلك فقد طالت نيران الصراع السياسي القنصلية الإيرانية في البصرة، وعلى أثر زيادة العنف المستخدم ضد الجماهير الشبابية فقد طالبت الأمم المتحدة بمحاسبة المسؤولين عن العنف في البصرة بتاريخ 5 سبتمبر، لذا لا نود الخوض كثيرًا في تفاصيل الأحداث حاليًّا، لكن سيتم التوغل أكثر في تفاصيل عن الأحداث ومجرياتها وعن التقسيم الذي حدث بين المتظاهرين والعشوائية التي استفادت منها الأحزاب ومتسلقي الثورة وأصحاب المكاسب الرئاسية والمالية.
وأخيرًا فإن الإصلاح السياسي لا يمكن تحقيقه في ظروف وقوانين تحت سلطة الأحزاب السياسية، ما لم يكن هنالك تمثيل حقيقي لهذه المجتمعات، على أن تكون مبنيّة على أُسس ومعايير حقيقية تمكّنها من الإصلاح الحقيقي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست