كم هو بعيد عنَّا معني حُريِّة الصحافة
بعيد جدا و اذا اردت تقدير هذا البعد بالشكل الدقيق فربما يجب عليك الاطلاع على القصة التالية :
14/8/2013- القاهرة/ مصر . قد يبدو هذا التاريخ مألوفا ففي هذا اليوم جرت احداث فض اعتصام ” رابعة ” الذي راح ضحيته مئات المصريين؛ الا اننا لسنا بصدد الحديث عن هذا الموضوع اليوم . دعت السلطات الحكومية المصرية الصحافة لتغطية فض الاعتصام و توجه العديد نحو الميدان . خرجت الامور عن السيطرة و اعتقل المئات من المدنيين في ذلك اليوم . ما يهمنا على وجه التحديد ثلاثة صحفيين اعتقلوا آنذاك، اطلق سراح اثنين منهم بعد عدة ساعات و بقي الثالث .
قوانين الصحافة، المادة 1 : الصحافة سلطة شعبية تمارس رسالتها بحرية مسئولة في خدمة المجتمع تعبيرا عن مختلف اتجاهات الرأي العام وإسهاما في تكوينه وتوجيهه من خلال حرية التعبير وممارسة النقد ونشر الأنباء، و ذلك كله في إطار المقومات الأساسية للمجتمع وإحكام الدستور والقانون.
( مايك جيكلو – جيمس لويس – محمود ابو زيد ) بعد قراءة اسماء الصحفيين الثلاثة، لن يكون تخمين من اطلق سراحه ومن بقي، صعبا؛ من بقي هو محمود . بعد عدة ساعات من الاعتقال اطلق سراح الصحفيين الاجانب و ابقي على الصحفي المواطن في السجن الى يومنا هذا !
في تحقيق اجراه معي احد ضباط الامن الوطني. سألني مندهشا، كيف يتم إلقاء القبض عليك مع صحفيين اجانب ويتم الافراج عنهم في نفس اليوم؟ والابقاء عليك في السجن طوال هذه الفتره، هناك حلقة مفقودة!
محمود ابو زيد المعروف بشوكان ، 28 سنة . تم اعتقاله عشوائيا يوم فض الاعتصام والاعتداء عليه و مصادرة اوراقه الثبوتية و الترخيص و الكاميرا و من ثم زج به في السجن . تم توجيه 12 تهمة اليه مع اخرين، ابرزها القتل و الشروع بقتل رجال شرطة – حرق مسجد رابعة العدوية و ملحقاته عمدا – الانضمام لمجموعة هدفها تعطيل احكام الدستور .
لا أعلَم ما هو سبب إقحامي في صراع سياسي لا أنتمي له ولا لأي جماعة أو فَصيل فيه، لا أعلَم سبب بقائي في السجن طوال هذه المدة، أنا لا أنتمي لشيء سوي مِهنَتي، مُصَوِّر صَحَفي .. مصور صحفي فقط.
لم يكن محمود رمزا من رموز الثورة ولم يكن بطلا و لا وجها سياسيا كما لم يكن طرفا في اي نزاع، كان مصورا فقط . و كغيره من الصحفيين فقد توجه الى الميدان للقيام بعمله ” التصوير ” و نقل الحقيقة كما هي؛ لذلك ما يزال صعبا فهم اسباب ما حدث معه . لماذا اعتدي عليه و جرد من اوراقه الثبوتية و الكاميرا ثم لفقت له تهم باطلة ؟ هل اصبحت الكاميرا من الممنوعات ؟ دفع ثمنا باهضا و عوقب بشدة؛ لكن على ماذا ؟ على التصوير ؟ لم يتواجد في المكان او الزمان الخطأ، كان يؤدي عمله فحسب .
قوانين الصحافة، المادة 8 : للصحفي حق الحصول على المعلومات والإحصاءات والأخبار المباح نشرها طبقا للقانون من مصادرها سواء كانت هذه المصادر جهة حكومية أو عامة، كما يكون للصحفي حق نشر ما يتحصل عليه منها .
بلا منطق، كنا 900 متهم، وبلا منطق أصبحنا 300 متهم.
شوكان في السجن على ذمة الحبس الاحتياطي منذ ذلك اليوم اي منذ اكثر من 730 يوم . لم يتم الحكم في قضيته و تم تمديد حبسه بشكل متواصل 45 يوم في كل مرة و اجلت القضية مرارا و كان يحكم غيابيا . عندما مثل أمام القاضي، اكتفى بسؤاله سؤالا واحدا : هل كنت موجودا في الميدان ؟
قوانين الصحافة، المادة 7 : لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببا للمساس به .
لم يضع التشريع المصري تعريفا محددا للحبس الاحتياطي و اكتفى بذكر قوانين وضوابط تعالج موضوعه و بتطبيق اي من ضوابط الحبس الاحتياطي؛ فالنتيجة هي إخلاء السبيل . يحق للمحبوس احتياطيا ما لا يحق لغيره من السجناء من بعض الامتيازات في الملبس و المأكل و غيرها؛ الا ان حق شوكان في العلاج – المضمون للجميع – لا يزال مهدورا . يعاني شوكان من مرض الانيميا و مرض التهاب الكبد الفيروسي و قد تدهورت حالته الصحية في السجن اكثر من مرة؛ الا ان هذا لم يشفع له . يذكر ان شوكان قد كشف عليه مؤخرا الا انه لم يتلق اي علاج . منع شوكان ايضا من ادخال الكتب و المجلات و هذا بخلاف القوانين، حيث ان حق امتلاك الكتب – تماما كما العلاج – حق مطلق للجميع .
الجُدران مُحَمَّلة بالظُلم .. تَحمِل ذكريات من سبقونا
بعد تجاوزه اقصى مدة عقوبة في السجن – سنتين تحديدا – كان من المؤمل ان يطلق سراحه آليا . اليوم وبعد تجاوز 10 ايام على انتهاء المدة؛ ندرك ان من ضرب القوانين عرض الحائط في أول مرة لن يتوانى عن تكرارها ثانية . لو كان القانون سيطبق لما اتهم بدون ادلة و لما حبس بدون استجواب ولما حوكم غيابيا. ندرك اليوم ان القوانين المدنية و الصحفية و قوانين السجون العامة و الحبس الاحتياطي كلها ضربت ضربا مبرحا و ان القصة لن تنتهي بخروج شوكان. فقصة شوكان هي بداية لقصتنا جميعا .
هذا وقد امست الصحافة جريمة في مصر فانا انتظر كل الزملاء هنا في سجن طره مرحبا بهم في اي وقت
اقرأ أيضًا: عن الحبس الاحتياطي: كاميرا، تيشرت، وأطفال شوارع
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست