لطالما راود ذهني مثل سؤال: ما الذي يدفع رئيسًا أو حاكمًا ما بأن يلزم كاتبًا أو مفكرًا قعر السجن، بأمر من سيفه المرصع ذهبًا يفتح أبواب الزنازن لترحب بحلول ضيف جديد. بسوط خدمه يجلد الفكرة ويعتقل الكلمة، يصادر الحروف وبقبضته يخنق الحناجر. للكلمة وقعها، للكلمة هدفها الأسمى، للكلمة مبتغاها، للكلمة جمهور. في ظل حكم دكتاتوري قامع، لا يحق للفرد أن بنبس ببنت شفة، الكلام للمستبد وحده، مفوظ من حكم إلهي، هو من يشكل الحروف ويجمع الكلمات. يعيش الشعب بهذا الشكل، (عيشة الكلاب)، فلا يختار ولا ينتقد ولا يعبر عن رأيه بكل حرية، حتى طريقة التفكير موحدة، في نظام مدمج في قالب وحيد، الكل مجرد أرقام في سجلات وطنية، تفرقهم الأصفار ربما، ولكن يجمعهم الخضوع والخنوع لفرعون سالبًا للنفوس.
إن تحررت العصافير من أقفاصها فهي لن تعود لمن سلبها حريتها، إن فتح أحدهم أرشيف الحقيقة، سيستيقظ الجميع من سباتهم، ستفتح الأعين مما لا يخدم مصلحة الحاكم، سماء القمع المكدرة ستشرق بفضل كلمة. يلجأ الدكتاتور إلى تكبيل أنامل المبدعين لذا كل كاتب ثوري سيكون من أشد أعداء الحاكم، تصادر أعماله وتحرق صفحات كتبه ويوجه خطاب محمل بالكراهية ضد سمعته ويكون هذا الخطاب عادة محملًا بالحجج الدينية القائمة على الخطأ.
عان قاليلي من العنف المسلط عليه من قبل الكنيسة الكاثوليكية، وذلك لمحاولة إثباته لدوران الأرض حول نفسها، هذا العالم الذي اختار الالتزام عنوانًا لحياته عرض حياته للخطر فقط من أجل فكرة أثبتت لاحقًا ليعود له الفضل في عديد الاكتشافات. كانت الكنيسة أنذك هي الحاكم والمشرع الذي يفوض وبيده القرار تشرب كل من اختار الحقيقة مذهبًا، كأسًا ملئت سمًا، لم يكن الحاكم فقط معارضًا، بل حتى المجتمع نظرًا لغسيل الدماغ الذي اعتمدته مثل سياسة مكبلة.
يمكن من هنا، أن نتحدث عن علاقة المثقف واليومي، علاقة التنافر والصراع الدائم، حيث يعاني المثقف لكونه فرض الاختلاف وإعتمد النقد صلاحًا؛ مما لا يخدم مصلحة اليومي الذي يرفض كل فكرة، عماد اليومي الأحكام المسبقة والقوالب الجاهزة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست