
أمام أعين أجهزة الرقابة تتراجع مستويات الحريات لتصل التعديات إلى قمع حرية الرأي والتعبير للناشطين الذين يطالبون بحقوق شعب ما زال في غيبوبة وفضّل الحكم الدكتاتوري على أيدي ميليشيات السلطة اللبنانية من حكم مدني لا مكان للدين فيه.
بأسلوب يحافظ على هيبة الدولة والقانون تستمر معركة الدفاع عن الحق بالتعبير في وجه من أراد تحويل الوطن لدويلات طائفية حزبية مقلدًا أنظمة عربية قمعية كمصر، سوريا، السعودية وغيرها من الدول.
مرة أخرى يتصرف عدد من مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي مع أحد ناشطي حزب سبعة بأسلوب يفوق الحكم الإمبراطوري، فاليوم ما نشهده من تضييق على حرية التعبير بات يشكل تهديدًا ليس فقط لناشطي حزب سبعة والمجتمع المدني، بل بات يشكل خطرًا على السلم الأهلي في المنطقة.
فالمجتمع المدني في لبنان كان خلال الحرب الأهلية مساحة للوقوف بوجه الميليشيات الطائفية، وإن فشل في التصدي لها وعند انتهاء الحرب، كانت القوى المدنية السياسية من أول المستهدفين، فتم قمع وقتل وتهديد الشبان والشابات والناشطين والصحافيين، وباتت الجامعات مفتوحة لنظام استخباراتي وليس من المصادفة أن سمير قصير قد قتل بعبوة ناسفة قبل أول انتخابات عام 2005.
مقلق ومخيف ما يحصل في لبنان والطريقة الممنهجة من قبل الأحزاب لكم الأفواه. فالخطابات الطائفية قد ولدت حقدًا في قلوب المواطنين الذين باتو أداه لتنفيذ الكيّديات الحزبية والقيادات باتت غير قادرة على السيطرة على المناصرين.
فما حدث مع الناشط البيئي رولان نصور المناصر لحزب سبعة في حملات عدّة والذي كان قد اعترض على مشروع سد بسري المشبوه، فتمت ملاحقته وضربه وقطع أذنه فهذه سابقة خطيرة تهدد خطة مكافحة الفساد الذي ينادي به الجميع فأصبحت حرية الرأي في خطر وكأنّهم يريدون القول للصحافيين والناشطين: «تحدّثوا بما تريدون ولا تقرّبوا من الحقيقة لأنها تعرّي نسبة كبيرة ممن يعتبرون أنفسهم سياسيي مكافحة الفساد».
الدولة تساهم بتعزيز القمع
في الوقت الذي يشهد فيه العالم مزيدًا من الانفتاح مزيدًا من التحرر مزيدًا من الديمقراطية نرى العكس تمامًا يحدث في لبنان، الجميع يتجه باتجاه الطاغوت والطغيان فشبح يتربص بحرية التعبير هذه الأيام أجهزة تمارس التشبيح على مواطنين أبرياء اشخاص قد تكون ضاقت بهم سبل الحياة، وهم مهددون يوميًا بمستقبلهم وبأجرهم، ولم يتبق لهم حيلة سوى النطق بكلمة، أو التعبير برأي، طفح الكيل جراء أفعالكم وتقلص الفارق بين إساءتكم لاستخدام السلطة، وتلك التي تقوم بها أنظمة القمع والمنع من ممارسات مشيئة بحق الشعب اللبناني.
مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بمعظم أقسامه، يعمل ليل نهار لاستدعاء أشخاص إلى المديرية وإجبارهم على توقيع تعهدات بعدم التعرض للزعيم وسياسته، وعدم تناول ممارسات رموز السلطة بأية كلمة مهما عاثت في الأرض فسادًا وإفسادًا كما حصل مع الناشط علي إسماعيل وفراس أبو حاطوم.
الأجهزة الأمنية وبعض الأحزاب اللبنانية تخطت الحدود في ممارساتها التعسفية بحق الناشطين الذين لا يملكون سوى الكلمة سبيلًا للاعتراض، في حين أن حرية إبداء الرأي قولا أو كتابة يكفلها ويحميها الدستور ووفقًا للعهد الحالي الانتقاد يعتبر جرمًا في قاموس هذه السلطة تعاقب عليه بالتوقيف والإهانة في الوقت الذي تغض الطرف فيه عن السلاح المتفلت في الشوارع.
وتتعامى عن الدورات العسكرية الحزبية غير الشرعية وكذلك المحميات والمربعات الأمنية.
سلطة لبنانية تتقن فن تجاوز القانون تمارس الترهيب على مواطنين أبرياء عزل، في وقت تتلكأ في تعاملها مع الإرهابيين والعملاء ومفبركين الملفات كالمقدم سوزان الحاج الذي أثبت القضاء اللبناني براءتها في ملف الممثل المسرحي زياد عيتاني.
كشفت هذه التوقيفات والاستدعاءات وآخرها استدعاء علي إسماعيل، واحتجازه لساعات خبث نوايا هذه السلطة التي ينشئها هذا العهد، وذلك من خلال تعاملها مع مواطنيها، وطرق إخضاعهم ودفعهم إلى توقيع التعهدات بعدم التعبير عن آرائهم في مناهضة العهد.
هذا الشروع في بناء الديكتاتورية الجديدة طريقة توصل المواطن إلى الرقابة الذاتية لآرائهم وهذا ما يستوجب التصدي له وإسقاطه في زمن قمع الحريات والديمقراطيات فهذا يظهر هشاشة المضمون التأسيسي للحريات في لبنان على أكثر من صعيد ففي المجال السياسي لم ينجح العهد في تجديد الدولة عبر إعادة نظر جذرية في بناها الاجتماعية ووظائفها السياديّة فبقيت أسيرة قصورها الذاتية فلا هي قادرة على أن تكون دولة سلطويّة عاتية كما في محيطها العربي، ولا هي أصبحت دولة قانون ومؤسسات.
تزداد المطالبات المحقة في التعبير عن الرأي، فها نحن نشهد موجة وطنيّة جديدة له هو بداية تغيير جذري في فهمنا للحرية وطريقة تعاملنا معها.
إن اعتبار التعبير جريمة محتملة جديد على منطق العمل السياسي في لبنان بخاصة أن الجيل الجديد نشأ وتعوّد على التظاهر والعمل السياسي المدني لربما أمكننا الاستعانة بتجربة الناشطين من بلدان عربية أخرى للنظر في كيفية التصدي لهذا الخطر الداهم وإعادة تصويب مكافحة الجرائم المعلوماتية باتجاه المجرمين الحقيقيين والقضايا التي تهدد الأمان وحقوق الإنسان في حين وجب علينا أن نواجه الأحزاب السياسية التي تنسق قلبًا وقالبًا مع الدولة اللبنانية لمنع الناشطين بفضح ملفات الفساد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست