التوافق والتجانس بين الزوجين من الأمور الهامة التي يجب تناولها بالإسهاب والتفصيل من المتخصصين؛ وذلك نظرًا لخطورة وأهمية هذا الموضوع حيث أن الزوجين هما نواة للأسرة ومن ثم نواة لمجتمع أكبر هو الوطن. فأسرة متوافقة ومتجانسة يسودها الحب والأمان والأمل تخرج بمشيئة الله مواطنًا صالحًا منتجًا ومفيدًا لمجتمعه وأمته، وعلى النقيض أسرة يسودها التباغض والتخاصم والقلق ستنتج طفلًا مشوهًا فكريًا وعاطفيًا وذا اتجاهات نفسية تؤثر بالسلب على محيطه وقد يستفحل الأمر فتنتج مواطنًا فاسدًا مخربًا لمجتمعه ووطنه.

من تلك المقدمة البسيطة يتبين مدى أهمية توافق الزوجين نفسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، فالتوافق الطبقي والثقافي هام للتكوين الفكري والعاطفي للأسرة وبعيدًا عن ما أنتجته الأفلام والمسلسلات من شيوع التوهم والهدم المجتمعي من تصوير الحب على أنه خلاعة وقبل وأحضان، وكثرة تدوال وإنتاج تلك الأفلام أنتج فكرًا لدى الشباب بأن هذا هو الحب، ولكثرة تكرار تلك المضامين أصبح العري والخلاعة والمجون أمرًا مألوفًا، وأصبح فكر الشباب مشوهًا وتصوراتهم عن الحياة هو ما تقدمه تلك الأفلام.

فإنتاج المواطن الناضج فكريًا ونفسيًا يبدأ من قبل أن يولد؛ بمعنى يبدأ من الاختيار الصحيح لكلا الزوجين، فالزوج يجب أن يحسن اختيار زوجته والزوجة أيضًا لها أن تحسن اختيار زوجها، فهي شراكة ليس لوقت قصير بل شراكة ستستمرمدى الحياة.

ونحن نتكلم عن قاعدة عامة وليس استثناء، فقد يخرج من بيت مهدم أسريًّا مواطنٌ صالح لكن تلك ليست قاعدة ثابتة بل استثناء، ولك أن تجول بناظريك في مجتمعنا وتنظر إلى الأطفال المشردة والتي تجول في الشوارع والطرقات فهي نتاج لفساد أسري وتفكك مستشرٍ في تلك الأسر، فالأسرة هي أول وعاء يستقي منه الطفل المبادئ والمفاهيم والأخلاق، فأب وأم متوافقان فكريًّا وعاطفيًّا سيخرجان طفلًا متوازنًا نفسيًّا.

ومن أهم المعايير التي يجب اختيار الزوجين لبعضهما البعض على أساسها الدين وحسن الخلق والكفاية المادية للزوج –بمعنى أن يكون قادرًا على تحمل مسؤولية تكوين أسرة – والتناسق الفكري لهما، فمن الصعوبة بمكان أن يحدث توافق بين فكرين وعقلين غير متجانسين، فالاختيار على معايير صحيحة سيوفق بإذن الله تعالى. وأرجو أن لا يكون المعيار الأساسي الذي سيتم الاختيار عليه هو المال فهو معيار ثانوي وليس أساسيًّا، فقد ترزق الفتاة بزوج ثري ويحقق لها كافة رغباتها لكن المال ليس هو الأساس الذي تبنى عليه الأسرة، والمتتبع للأخبار والبحوث الأسرية سيلاحظ أن من كان معياره الأساسي في الاختيار هو المال دون النظر إلى المعايير الهامة من حسن خلق ودين سيلاحظ المدى السيء الذي وصلت إليه تلك الأسرة وكانت النتيجة هي الانفصال، والكارثة أن من يحمل تبعات آثار هذا الانفصال هم الأطفال، فالطفل الذي يتربى بين أبوين منفصلين أو في أسرة يسودها التراشق بالكلمات والألفاظ النابية بين الزوج وزوجته وقد يصل إلى أن يضرب الزوج زوجته، ماذا ننتظر من هذا الطفل إلا أن يكون محطمًا نفسيًّا وسينتج من ذلك طفل عدواني يحطم كل شيء أمامه.

فحسن الاختيار هو البداية والمصارحة هامة جدًّا، فالتكلف في فترة الخطوبة وإظهار كل من الطرفين على غير حقيقته له مغبة خطيرة بعد الزواج؛ حيث تتكشف الأخلاق على حقيقتها وتظهر خلاف ما كان في فترة الخطوبة فإياكم من التكلف والتمثيل والظهور بشخصية غير شخصيتك الحقيقية، وأقصد في هذا المضمون الصراحة وليس الوقاحة، فلا نقول كما نسمع «هو أنا كده عجبك عجبك» فالصراحة والخلق الحسن هو المنبع الذي سيكون أساسًا لبناء بيت سليم.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد