بخصوص أزمة الحجاب المثارة أخيرًا، أنا واحدة ممن تربين على أن الحجاب فريضة حتى وإن لم تُذكر لي وقتها الآيات أو الأحاديث التي ورد بها نص الفرض، وحتى أنا حينها لم أسأل أيضًا عن تلك الآيات، وأعترف أني ارتديت الحجاب على غير رغبةٍ مني وإنما إرضاءً لوالدي وارتديته في سن الخامسة عشر من عمري، وسنحت لي الكثير من الفرص للتخفيف منه أو خلعه في بعض الأحيان وذلك لأني كنت اعتبره – حينها – قيدًا أُريد الفكاك منه.

بمرور الوقت تكونت لدي قناعه بأهمية الحجاب لي كشخص، وأنه ليس مجرد مظهر خارجي اتخذه في ملبسي وفقط، وهو ما جعلني أُقلع عن فكرتي السابقة كونه ( قيدًا ) يقيد المرأة أو الفتاة.

واندهشت لما تم تداوله في الفترة الأخيرة عن مظاهرات تنادي بخلع الحجاب، فخلع الحجاب لا يحتاج لمسيرات ومظاهرات كما أن الإقناع بارتدائه لا يتم بالصراخ والسِباب، فالأمر في النهاية أمر شخصي بحت. فكثيرُ منا يرى محجبات يُسيئن للحجاب ومظهره وأخلاقياته سواء بالملابس نفسها أو بسلوكياتها في المجتمع ويتمنى الفرد منا لو أنها لم تكن محجبة، والعكس فقد ترى غير محجبة وتتمنى لو أنها أكملت جمال خُلقِها وسلوكها بارتداء الحجاب لتكون نموذجًا يُحتذى به، أو نرى نموذجًا آخر وهو المحجبة المنادية بضرورة الحجاب من خلال سلوكياتها وتعاملاتها دون أقوال مباشرة أو صراخ عالٍ، فالمظهر الخارجي ليس حكمًا على الأخلاقيات، وإن كنا نعتبره في مجتمعاتنا الشرقية مؤشرًا بل مؤشرًا قويًّا لها، وهو ما نحتاج الإقلاع عنه.

وإن كنا نُعيب على المجتمعات الغربية عنصريتها معنا فلننظر إلى أحكامنا على أنفسنا إن كانت تشوبها العنصرية من عدمها أو أنه تظهر على هذه الأحكام مسحة من الازدواجية تزيد أو تقل حسب هوى كلٍّ منا.

فنحن نحتاج إلى الحكم على الأمور بموضوعية بعيدة عن سيطرة المشهور السائد أو الموروث أو التعصب لرأي أو فكرة دون إعمال العقل عليها، بل نحتاج إلى تحكيم عقولنا بشكل يسمح بوجود حوار. فإن كنا حقًّا نطمح لديمقراطية فلنرتقِ في اختلافنا في الأمور الجوهرية قبل السطحية.

 

ولن نكون أعلم من الخالق جل وعلا القائل “لا إكراه في الدين قد تبين الرُشد من الغي” (سورة البقرة – 256). هذا فيما يخص العقيدة فما بالك بأمر من أمور الدين يُقال إن عليه اختلاف بين العلماء. فلنرفق بأنفسنا وبمن حولنا، ولنهتم بإرساء الأساسيات التي ترفع من المجتمع أما أمور الحريات الشخصية فليقوم بها كلًّ منا بنفسه، ويتحمل تبعاتها وحده دون إلقاء اللوم على أحد.

 
فالحجاب ليس بقيد كما أن عدم ارتدائه ليس هو الحرية التي تنشُدينها سيدتي.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد