تقودنا دومًا نحنُ البشر الفطرة، الفطرة التي يظلُّ صوتُها عالقًا في مسامعنا ومساعينا لفكرة الانتماء للأرض، للذكريات و للماضي الممزوج بالتاريخ ليُشكِّل لوحةً تؤكد طمأنينتنا إلى هذا اللقب «فلسطينيّ».
يكمنُ القهر الذي تنبع منه المقاومة للرمق الأخير من فكرة الأحقية، الحقُ يتضح وضوح الشمس لكنَّ انتزاعه صعب، ننتزعُ معه أرواحًا صرخات ومشاهد دمار وانتصار تظّلُ عالقةً في ذاكرتنا، حنجرتنا، بصوتنا وبين أيدينا كلّ يوم.
صوتُ أبطال قصتنا يصدح ويتغلغل في هذه الأرض الملطخة بالدماء، ليقول لكلّ إنسان حقيقيّ يُربّي في داخله ضميرًا حيًّا إن النسيان ممنوع.
النسيانُ يعني التخاذل، النسيانُ يعني فقد أحاديثِ جدتك وقصص بطولات جدك من الذاكرة.
هذه الأرض وفيَّة تسجلُ وتتذكر للأبد كلَّ حرٍّ يُناصرها وينتظر لحظة وصوله إليها.
الوصول لها صعب كما المقاومة والثبات على الحقّ في وجه عدوٍ شفاف ما يجعله موجودًا هو المادة الاقتصاد والتواطؤ ممن لا قضية لهم، ممن يجهلون معنى أن تخرج من رحم أمك مع قضية ملازمة لك تُكسبكَ كرامةً وعزة، تعيش لتدافع عنها وتموت كما ذلك.
إنَّ انتزاع الأشياء وتجريدها من الحقيقة لا يدوم طويلًا، يعود حتمًا لمالكه، يعود لبوصلته، يعرف حتى ملامح أصحابه وتقاسيم وجوههم، إنه لا يضلّ الطريق أبدًا.
الطريق الذي يصافح أحرار الأرض وأولادها مع حكايات نضال وشغف ممزوجة بالانتماءٍ للوطن.
هل من يعيش على هذه الأرض أكثر مجابهة وقدرة على العيش؟
هل محاولات كسره ومحو أحلامه تزيدُه صلابةً أكثر؟
هل من الممكن أن تجعله مخلّدًا في الذاكرة؟
قصص نضال عيّاش، قصائد درويش وخلودها، حُبّ مريد لسيدته، وجبال من السؤال والمساءلة وراء البقاء والخلود.
إنّ عظمة القصة تتجسد باستحالة تخيلها، تخيّل تفاصيلها وتفاصيل المعارك داخل كلّ فلسطينيّ يؤمن بديمومة أحقيته بوطنه، ربما بديمومة أحقيته في عيشه! في أن يحيا حياةً تمتلك ملامح العيش الكريم الآمن، تمتلك متسعًا آمنًا لأحلامه أيضًا وصورته منتصرًا أمام عدوه.
الفلسطينيون يحبُّون أرضهم، وحُبّ الأرض ليس ممكنًا، ليس ممكنًا إذا ما كانت الأرض لك، إذا ما ارتبطت بعقيدتك وتاريخك وإنسانيتك، أقصد أن الادّعاء بالتملك أو بالأحرى سرقة الأرض لا تدوم طويلًا، لا ترتبط بتاريخٍ وحضارات أو أديان، فلا تدوم طويلًا.
هذه الأرض تجابه أوجاعها وتضم في دواخلها شهداء الثورات والانتصارات، شهداؤها الذين مهّدوا طريق العودة، طريق العودة الذي يبدأ من صوتنا يصدح في أرحام الشوارع بشعارات الانتصار والاشتياق للأرض من كلماتنا وأغانينا، أو لوحاتنا وعدسات كاميرتنا، انتهاءً ببندقية تُخرج آخر جنديٍّ على هذه الأرض.
آن لكلِّ النكبات أن تزول، آن للنكبات ألّا تستمر.
تحت سمائك وبين مقدساتك سنحظى بلقاء، بلقاءٍ نصافح فيه الحياة مرةً أخرى، نصافح فيه جمال صباحك وهدوء ليلك، تحت شجرك وقوتك التي ستضمنا برقةٍ لتقول لنا إنك تذكرنا جيّدًا، وتسجّلُ بوفائك مقاومتنا واستحقاقنا للأرض.
«وطن النجوم أنا هُنا حدِّق أتذكر مَن أنا؟»
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست