بانتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الدول التي كانت تدور في فلكه سادت حالة من التفاؤل الزائد لدى مؤيدي النظم الليبرالية الغربية؛ ومن هؤلاء المفكر الأمريكي المعاصر فرانسيس فوكوياما. ومثل العديد من مفكري الحداثة يرى فرانسيس فوكوياما أن التنمية السياسية عملية تطورية؛ لذا فهو يرى أن نقطة نهاية التطور السياسي هي نظام الديمقراطية الليبرالية، وبالتالي نهاية التاريخ.

في أواخر الثمانينيات وبالتحديد في عام 1989م، نشر فوكوياما مقالة في دورية The National Interest بعنوان (نهاية التاريخ) معلنًا نهاية النظم الشمولية في التاريخ الإنساني وانتصار قيم الليبرالية الديمقراطية الغربية. وتقوم نظرية نهاية التاريخ لفوكوياما على ثلاثة عناصر أساسية:

العنصر الأول، هو أن الديمقراطية المعاصرة قد بدأت في النمو منذ بداية القرن التاسع عشر، وانتشرت بالتدريج كبديل حضاري في مختلف أنحاء العالم للأنظمة الديكتاتورية.

العنصر الثاني، هو أن فكرة الصراع التاريخي المتكرر بين “السادة” و”العبيد” لا يمكن أن يجد له نهاية واقعية سوى في الديمقراطيات الغربية واقتصاد السوق الحر.
العنصر الثالث في نظرية فوكوياما، هو أن الاشتراكية الراديكالية أو الشيوعية لا يمكنها لأسباب عدة أن تتنافس مع الديمقراطية الحديثة، وبالتالي فإن المستقبل سيكون للرأسمالية أو الاشتراكية الديمقراطية. وقد قصد فوكوياما أن يعارض فكرة نهاية التاريخ في نظرية كارل ماركس الشهيرة “المادية التاريخية”، والتي اعتبر فيها أن نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني سينتهي عندما تزول الفروق بين الطبقات.

 

فوكويااما

تراجعت نبرة اليقين تلك في كتابه الأخير (النظام السياسي والأفول.. من الثورة الصناعية حتى عولمة الديمقراطية) حيث أظهر علامات اضمحلال الديمقراطية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص، مثل حالة الجمود السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وصعود الأحزاب المتطرفة في أوروبا، وهو الأمر الذي يكشف عن تغيير رؤية ولهجة صاحب نظرية نهاية التاريخ.

يقول فوكوياما إن الديمقراطية الليبرالية تتأسس على ثلاثة مكونات رئيسة: المحاسبة السياسية، ودولة قوية وفعالة، وحكم القانون. ومشكلة النموذج الأمريكي الذي هو عرضة للتحلل في رأي فوكوياما أن التنمية السياسية الأمريكية ولعقود سارت في الاتجاه المعاكس متسمة بالفساد حيث تتسم النخبة السياسية بما أسماه (ظاهرة التآكل)؛والتي أدت إلى حالة الجمود السياسي في الإدارة الأمريكية وعدم المساواة الاقتصادية وتركيز الثروة، والتي سمحت للنخبة باحتكار النظام لمصلحتها وكذلك نفوذ جماعات المصالح في مؤسسات الدولة بشكل متزايد ومقلق، وممارستها لضغوط قوية على الحكومة لأجل مصالحها فقط؛ أضف إلى ذلك أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين؛ مما أدى إلى تراجع ثقة الرأي العام الأمريكي في أداء حكوماته.

ويرى أن المشكل يتعلق بالمساءلة؛ لأنه في الواقع لا قطاع الشركات ولا مجموعات المجتمع المدني تخضع للمساءلة بوضوح أمام الذين يدعون تمثيلهم. وهذا مشكل في الحوكمة يجب حله بكل تأكيد.

فوكو1

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد