هذه الأسطر ما هي إلا مناقشة متواضعة لرؤية تربوية ترمي إلى خدمة النظام التعليمي المغربي، قصد النهوض به، ولن يتأتى هذا النهوض إلا بالمشاركة الفعالة لهيئة التدريس ولسائر المهتمين، من خلال النقد البناء للمنظومة التعليمية بأكملها، واعتبار التعليم ركيزة أساسية تستند عليها كل الركائز الأخرى.
تـعـددت الدعوات والرؤى الهادفة إلى تجديد النظام التعليمي المغربي وتجويده وجعله مسايرًا لمتطلبات العصر، سواء في مضامينه أو في طرقه الديداكتيكية، مجمعين على أن الأساليب
التقليدية القائمة على الحفظ والاسترجاع لم تعد تعطي أكلها، ولم تعد تناسب هذا العصر الرقمي، إذ لم يعد مقبولًا أن يستمر المدرس باحتكار الحصة، وأخذ الدور الرئيس والجزء الأكبر، بل أن يكون هناك توازنًا على الأقل بين تفاعلات وإجابات ونظريات المتعلمين التي يبنى على أساسها الدرس (بعد تقويمها)، وبين تحفيزات الأستاذ (مجموع الأسئلة المتعلقة بالدرس والأساليب المعتمدة كالعصف الذهني والوضعية المشكلة…)، وتقويماته، وتفاعله الإيجابي مع تفاعلات المتعلمين، وتحمله للجو الذي ينشأ جراء هذا التفاعل الإيجابي.. قلت إن يكون توازن بين الفاعلين (تفاعل المدرس والمتعلم) على الأقل وإلا فإن أفضل حصة وأمتعها هي التي يكاد يختفي فيها الأستاذ ليصير موجها فقط دون إغفال تقويم التعلمات المكتسبة.
ومن هنا نطرح سؤالًا جوهريًا وهو كيف يمكننا أن نحقق تعليمًا ممتعًا؟
إن البحث عن الدواء يقتضي منا تشخيص الداء.. وداء التعليم هو طرقه التعليمية التقليدية الثقيلة على قلب المتعلم، وكم التعلمات والدروس الكثيرة التي يتلقاها دون فهم وضبط مقبول، بغض النظر عن أزماته الأخرى، فكلنا نهتف ونقول الكيف أهم من الكم، ولكننا نقصي هذا الحكم في التعليم، فلكي نجعل المتعلم يستمتع ببناء تعلماته علينا أن نتعرف على مفهوم المتعة عند المتعلم، ونستعين بالأبحاث العلمية المطروحة في هذا الصدد ونجدد تفكيرنا فيها، ونقترح تطبيقات فعلية لها.
اللعب ممتع أما التعليم فلا!
لا ننكر أن فترة الاستراحة تكون أمتع وقت للمتعلم، ووقت اللعب على العموم أفضل الأوقات لدى كل طفل (عمومًا)، أما الحصص ذات الطابع التقليدي فتكون مملة أثقل وطأة من كل شيء آخر، في حين أن الحصص ذات الطابع التجديدي تكون ممتعة ومبهجة ومفيدة أكثر من غيرها، ذلك أن المتعلم في الحصة التقليدية مجرد متلقي يكافح بصعوبة من أجل السير.
السليم مع شرح وإلقاء المدرس، في حين نجده يمثل الدور الأساس في الحصة المستجدة ويبني الدرس بنفسه بناء على تحفيزات وتعليمات الأستاذ.
نحو تعليم نشط
أول سمة للتعليم الممتع هو النشاط والحيوية في الصف؛ الناجم كما قلنا عن التفاعل الحار والإيجابي بين أقطاب المثلث الديداكتيكي (المتعلم المعارف المدرس)، فالحصة الحية تعرف رواجًا وحركة وصخبًا وتنافسًا إيجابيًا بين الأقطاب الثلاثة الفاعلة في العملية التعليمية التعلمية، في حين نجد الحصة الميتة (التقليدية) تنشر مللها وجمودها وبرودها على المتعلمين، وتنفرهم من المادة المدرسة.
وهنا يظهر سؤال جوهري آخر يخص الأستاذ: كيف أجعل مادتي حية نشطة؟
الجواب الذي نفترضه يكمن في حسن التخطيط، ومرونة التدبير، بالاستعداد الكافي للدرس من خلال عملية التخطيط للدرس، وبمرونة التدبير، إذ إن تفاعل المتعلمين في الحصة الحية يخلق حماسًا يكسر بعض القواعد كالصمت المطبق والجمود ليحل محلهما صخبا وحركة إيجابيتين.
المتعلم يحب الحركة والنشاط والتفاعل.. وينفر من عكسهم.
التعليم باللعب
من الأساليب الحديثة والناجحة في العمليات التعليمية التعلمية التعليم باللعب؛ إذ يقترح الأستاذ لعبة تخص الصف كاملًا أو مجموعات منه، تكون لتلك اللعبة بعدًا معرفيًا يرتبط بتعلمات الدرس وبعدًا ترفيهيًا، فنحقق بهذه العملية أهدافًا كثيرة أبرزها حب المتعلم للتعلم عمومًا وللمادة المدرسة على وجه الخصوص.
التعليم الجماعي
كانت وما زالت مجموعات العمل تلعب دورًا كبيرًا في جعل المتعلم يندمج في الأنشطة الصفية ويكسر من رتابة الحصص التقليدية ويقتطع وهلة يرفه بها عن نفسه، فأعضاء المجموعة الذين يمثلون متعة خارج الصف نظرًا لوجود فعل التواصل، أصبحوا سبب متعة داخل الصف بفضل عمل المجموعة، إلا أنه تواصل علمي يحقق كفايات محددة.
(يتبع) التفكير في العملية التعليمية التعلمية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست