توقفت السيارة الأجرة على بعد عدة أمتار من أحد العملاء المستخدمين للتطبيقات الحديثة الخاصة بخدمات التوصيل، فما كان من العميل المتعجرف إلا أنه أجبر السائق على الرجوع إليه ظنـًا منه أنه اشترى ذلك السائق والذي في نظره لم يتعد كونه «أسطى» يعمل عنده أو اشتراه نظير ما يقوم بدفعه لشركات التوصيل، ولم يكن يدور بخلد ذلك الرجل المتعجرف أن السائق الشاب لم يكن سائقـًا عاديًا بل كان مهندسًا جيولوجيًّا!

بطلنا اليوم هو شاب تخرج في كلية العلوم بتقدير جيد جدًا مرتفع، وكانت دراسته بقسم الجيولوجيا «جيوفزيا» وهو أحد التخصصات المتقدمة جدًا، وأحد الأقسام المستحدثة لكونه يجمع ما بين تخصصين في علوم الأرض، كان هذا الشاب من المتفوقين طوال سنوات تعليمه المختلفة، وكثيرًا ما حصل على شهادات تقدير لتفوقه.

ومثل الكثير من الشباب، فبطلنا كان لديه أمل وطاقة كبيرة ليخدم وطنه ويصبح مثل العظيمين فاروق الباز أو أحمد زويل، فبعد تخرجه أنهى الخدمة العسكرية، وكان قريبًا جدًّا من السفر لبعثه دراسية في أمريكا، ولكن هيهات هيهات؛ فلقد تغيرت الظروف تمامًا وأتت الرياح بما لا تشتهيه سفن مهندسنا الشاب.

يقول بطلنا المهندس الشاب صاحب الـ25 عامًا: الواقع العملي مختلف تمامًا، أو يشبه الدوامة؛ فلم أجد الصورة المثالية التي رسمتها؛ فالمجال الذي اخترته مطلوب من الناحية العملية في العديد من المجالات، وتقدمت لدخول مسابقة علمية عالمية على مستوى كلية العلوم، وبالطبع فقد تقدم العديد للحصول على هذه المنحة التي تؤهل صاحبها بعد ذلك للعمل في كبرى المؤسسات العلمية بالولايات المتحدة، وكان علينا أن نتخطى أولاً الاختبارات بداخل الكلية أو السفارة، وعادةٍ ما تركز هذه الاختبارات على قدرات الطالب العلمية والنفسية ورؤيته للمستقبل، وما الإضافة العلمية التي من الممكن أن يحققها من خلال هذه المنحة.

ومن بين 100 طالب مصري متقدم للمنحة حصل بطلنا على الموافقة يوم 19 يناير 2011 بعدها بأيام قليلة قامت ثورة يناير وتوقفت السفارة عن العمل، وضاع حلم صاحبنا تمامًا.

حاول بعدها كثيرًا أن يحصل على فرصة عمل في إحدى الشركات التي تعمل في مجال البترول أو الثروة التعدينية لكنه اصطدم بالواقع المؤلم إما الواسطة وإما المحسوبية أو أبناء العاملين، لكنه ما زال متمسكًا بالأمل ويرفض التنازل عن حلمه بسهولة، ويسعى جاهدًا لعمل رسالة الماجيستير، لكن بعد أن يستقر في شركة جيدة؛ لأن مصاريف الرسالة مكلفة جدًا، وطالب صاحبنا المسؤولين أن تصبح الوظائف بالكفاءات لا بالواسطات والمحسوبيات، أو أن فلانًا والده، أو والدته من أبناء الشركة.

وبسؤاله لماذا قررت العمل سائقـًا؟ قال: «إن العمل ليس عيبًا، العيب ألا أجد مجالاً أعمل به في مجال تخصصي الذي سعيت واجتهدت فيه، أرجوكم وفروا لنا الفرصة ونحن سوف نجتهد ونتشبث بها ونثبت أنفسنا ونبدع»!

بالطبع يوجد كثيرون من أصحاب الماجيستير والدكتوراه قد مروا بهذه التجربة القاسية، والتي يفقد معها الشاب إحساسه بانتمائه لوطنه، ويفقد أي شعور بالولاء له، بل ينقم عليه أيضًا، ويلجأ الغالبية منهم إلى الهجرة خارج الوطن ليلحق بأسراب الطيور المهاجرة والتي وجدت ضالتها في بلاد الفرنجة فأبدعوا وتألقوا وتوهج بريقهم، فعلاً لا كرامة لنبي في وطنه.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

مُعاناة شاب مصرى ..!!
عرض التعليقات
تحميل المزيد