مقدمة

كشف عدوان مايو 2021 على قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن متغيرات كبيرة على الصعيد السياسي المحلي والدولي. حيث ظهرت فصائل المقاومة في قطاع غزة، سيما الإسلامية منها والتي هي خارج منظمة التحرير الفلسطينية، على أنها هي من تمتلك مفاتيح الحل. كونها هي من تتحكم بالسلم والحرب. خاصةً أنها هي من بادرت بإعلان الحرب على إسرائيل وهي سابقة لم تحدث في تاريخ الصراع من قبل، وتنفيذ تهديدها للاحتلال الإسرائيلي بقصف المدن المحتلة، في حال لم تنته اعتداءات المستوطنين في الأقصى. مقابل تراجع كبير لدور السلطة الفلسطينية في رام الله من خلال الموقف الضعيف والمهزوز الذي أظهرته من الأحداث الجارية.

على الصعيد المحلي

لقد فاجأت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة الجميع بالشجاعة التي أظهرتها بإعلان الحرب على الاحتلال الإسرائيلي، وتنفيذ تهديدها بقصف المدن المحتلة في حال لم تنتهي الأحداث في الأقصى. وهي سابقة حقيقة لم تحدث منذ إعلان مصر الحرب على الاحتلال الإسرائيلي في اكتوبر عام 1973م. وما فاجأ الجميع بحق، هو مدى تطور قدرات المقاومة العسكرية في قطاع غزة الصغير والمحاصر من قبل الجميع! وبلغة أرقام بسيطة، فإنه في عدوان عام 2008، أطلقت المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة قرابة 800 صاروخ وقذيفة خلال 23 يومًا. وفي عدوان 2012 أطلقت المقاومة الفلسطينية قرابة 1500 صاروخ وقذيفة خلال 12 يومًا، وفي عدوان 2014 أطلقت المقاومة الفلسطينية 4500 صاروخ وقذيفة خلال 51 يومًا. وفي عدوان مايو الأخير 2021، أطلقت المقاومة 4300 قذيفة وصاروخ خلال 11 يومًا فقط. طالت جميع أراضي فلسطين المحتلة وليس فقط مدن ومستوطنات الغلاف. وهو ما يظهر كم التطور النوعي والعددي في كثافة النيران لدى المقاومة الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة. وهو ما يهدد أمن كل المستوطنيين الإسرائيليين في عمق المدن المحتلة ويشل حركتهم بالكامل. وهم غير معتادين منذ عقود وبعضهم منذ عام 1948م على أي مظهر من مظاهر الحرب. هذا جانب، من جانب آخر التكلفة الاقتصادية العالية للاحتلال الإسرائيلي من هذا التهديد الصاروخي.

(فإسرائيل) تعتبر دولة متقدمة واقتصادية بالدرجة الأولى. وأي خلل بحالة الاستقرار والأمن يؤدي إلى تراجع وشلل في حركة الاقتصاد الإسرائيلي. حيث شهدنا وقف رحلات جوية في كل المطارات الإسرائيلية، وتقييد كبير للحركة ونزول الملاجئ لملايين الإسرائيليين. وهذا أيضًا لم يحدث من قبل. فنحن هنا نتحدث عن حالة غير مسبوقة ونوع من أنواع كي الوعي الإسرائيلي الذي لاحقًا سيشكل جبهة ضغط داخلي بضرورة إيجاد حل مرضي للفلسطينيين وإقامة سلام دائم معهم.

ومن هنا يظهر أن مفاتيح السلام بدأت تنسحب شيئًا فشيئًا من يد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في العقد الأخير، حيث ساهم إصرار رئاسة السلطة الفلسطينية في رام الله على اتخاذ منهج الحل السلمي تحت إشراف دولي، دون أدنى مظهر من مظاهر المقاومة والضغط على الاحتلال الإسرائيلي، في إضعاف موقف ومظهر السلطة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي والإسرائيليين والأهم شعبيتها وصورتها أمام الشعب الفلسطيني. فالمنطق السياسي يقول إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنال مطالبك السياسية وأنت لا تمتلك أي ورقة ضغط على خصمك. والمراهنة على المجتمع الدولي ومؤسساته في إعطاء الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير، أثبتت التجربة أن ذلك لم يتجاوز إطار التصريحات والقرارات. كما أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير لم تطبق على الأرض مبدأ المقاومة الشعبية السلمية الذي تبنته، وهو ما ساهم في إضعاف موقفها وصورتها بشكل أكبر. وبما أن السياسة لا تحتمل الفراغ أو الطرف الضعيف، فمن الطبيعي أن تحل القوى الأكثر تأثيرًا محل القوى الأقل تأثير، وهو ما سنشاهده في المستقبل القريب.

على الصعيد الدولي

لقد أعاد عدوان مايو 2021 على قطاع غزة، وما سبقه من انتهاكات إسرائيلية للمقدسات الإسلامية في مدينة القدس المحتلة، القضية الفلسطينية إلى واجه الصراعات في الشرق الأوسط، الممتلئة والمثقلة أصلًا بالصراعات المحلية والإقليمية بين دول المنطقة بعد الربيع العربي. فبغض النظر عن كل الخلافات والاختلافات بين قوى المنطقة، إلا أن الجميع أجمع على قضية وبوصلة واحدة. ألا وهي القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة. فهي بمثابة القاعدة التي تتوحد عليها كل قوى المنطقة باختلافاتها. فلقد شاهدنا كيف أن كل القوى السياسية الرسمية والشعبية تقف بجانب الشعب الفلسطيني وقضيته. وهبت نصرة للأقصى وغزة، ترافق ذلك ولأول مرة مع انطلاق شرارة هبة الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1948، ضد الاعتداءات الإسرائيلية في القدس وزادت حدتها بعد انطلاق العدوان على غزة. كل هذا فتح جبهات ضغط غير مسبوقة على الاحتلال الإسرائيلي. وشكل تطور نوعي لصالح الفلسطينيين بعد سنوات من تراجع قضيتهم إقليميًا ودوليًا بحكم الأحداث والصراعات في المنطقة. واتضح جليًا أن أساس ومدخل الاستقرار في الشرق الأوسط هو حل القضية الفلسطينية على أساس عادل وشامل، وليس من خلال ما أطلق عليه «قطار التطبيع» مع الدول العربية. حيث إن هذا الاختراق في العلاقات الذي قامت به إسرائيل والولايات المتحدة فترة رئاسة الرئيس السابق «ترامب» ومحاولتها الالتفاف على حقوق الفلسطينيين، من خلال تطبيع العلاقات مع الدول العربية قبل الحل مع الفلسطينيين ثبت فشله.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد