عندما وافق النبي صلى الله عليه وسلم على بنود صلح الحديبية المجحفة بحق المسلمين، امتعض بعض الصحابة رضوان الله عليهم حتى أنهم رفضوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحلق، وظل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُحدث النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الشدة، ويقول له: يا رسول ألسنا على الحق؟ فيقول له صلى الله عليه وسلم: بلى، وعمر يقول أليسوا على الباطل؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له بلى، فيقول عمر: فلم نرض الدنية في ديننا؟ فلا يُجيبه النبي صلى الله عليه وسلم.
ويذهب عمر إلى أبي بكر، ويقول له ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم فيرد عليه أبو بكر رضي الله عنه ويقول له: يا عمر الزم غرسك إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنزل الآيات في هذا الصلح: «إنا فتحنا لك فتحًا مبينا…» أيُ فتحٍ هذا؟ والبنود تنص على أنه إذا جاء أحد المشركين مسلمًا يرده النبي صلى الله عليه وسلم لقريش، وإذا جاء أحد المسلمين مرتدًا فلا يردونه إلى المسلمين، كما أنهم رجعوا دون أن يعتمروا، ولكنه فتحٌ وفتحٌ عظيم، فبعد وقت قصير حدث ما حدث من المسلمين الفارين من قريش بعد أن ردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتغير المعادلة ويذهب المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم صاغرين متوسلين طالبين أن يُبطل بنود اتفاقية الحديبة، وكان الفتح، ماذا لو اعتمر المسلمين وقتها، ماذا لو لم يكن صلح، وبنود؟
عام 2006 وبعد فوز حماس بالانتخأبات البرلمانية فرض الكيان المحتل حصارًا جويًا وبريًا وبحريًا على قطاع غزة، واستمر الحصار حتى يومنا هذا، ولكن أهل غزة وقفوا موقف الأبطال خلف المقاومة فصبروا على الجوع والعطش؛ لأن قضيتهم ليست قضية شخصية، وإنما هي قضية أمة بأكملها، يدافعون عن شرفها، عن أرضها، لأنهم يعرفون جيدًا أنهم لا يدافعون عن جزء من الأرض لمجموعة من الأفراد، وإنما يدافعون عن ما يقرب من 2 مليار مسلم.
في هذا الوقت لم يستسلم أهل غزة للحصار، فعاشوا حياتهم بسعادة، أقاموا الأفراح والأعراس، كما لم تستسلم المقاومة فراحوا يُطورون من إستراتيجياتهم ومن أسلحتهم بأقل الإمكانات، وفي سرية تامة لم تعرف عنها أقوى أجهزة المخابرات في العالم، ليُثبتوا للعالم أننا الأفضل مخابراتيًا وعسكريًا وتكتيكيًا.
في فترة الحصار التي زادت عن 15 عامًا حاول الكيان المحتل استعراض قوته على أهل غزة المحاصرين، فلم تأت فرصة إلا وانتهزوها لضرب غزة، قتلوا أطفالًا ونساءً وشيوخًا، هدموا منازل ودمروا حقولًا، كانت المقاومة ترمي عليهم صواريخها، فكانت تصيب أو لا تصيب، كانت الصواريخ تنزل على أماكن غير مأهوله وفي الحقول، فظل العالم يضحك عليهم، إلا أنه في هذه الأحداث التي بدأت يوم الثامن والعشرين من شهر رمضان، حيث حاول جنود الاحتلال اقتحام المسجد الأقصى وتصدى له المقدسيون، وحدثت مواجهات طلب على أثرها المقدسيون تدخل المقاومة في غزة لنصرتهم.
وهنا كانت المفاجأة، والتي بدأت بتحذير المقاومة للكيان المحتل للانسحاب من القدس وأمهلوهم يومين، نعم مفاجأة؛ لأن المقاومة هي التي تحذر وتُمهل وتحدد بعد أن كان الكيان المحتل هو من يفعل ذلك في السابق، هذا تطور نوعي، وبعد انتهاء المدة التي حددتها المقاومة واستهانة العدو المحتل بها، بدأت صواريخ المقاومة في طريقها نحو الأراضي المحتلة بكميات غير مسبوقة حتى طوقت سماء الأراضي المحتلة، ودوت صفارات الإنذار كل الأراضي المحتلة، وتملك الرعب نفوس المحتلين، وأصبح مسكنهم في الملاجئ بدل البيوت، أصبح يومهم جحيمًا وليلهم عويلًا، لكن المفاجأة الأكثر صدمة لصهاينة العرب قبل صهاينة المحتل هو وصول صواريخ المقاومة إلى 250 كم، كيف وأين ومتى؟ بهذه الصواريخ حذرت المقاومة شركات الطيران العالمية من الهبوط في مطارات الكيان المحتل، وبالفعل ضربت المقاومة المطارات وتوقفت حركة الطيران تمامًا، وشُلت الحركة الاقتصادية عن طريق الجو للكيان المحتل، وعلى التوازي ما زالت صواريخ المقاومة تمطر سماء الأراضي المحتلة نارًا، أهلكت قبتهم الحديدية المزعومة، حتى وصل الأمر باستهداف إحدى بطاريات هذه القبة.
ومن يومين أعلن جيش الكيان الصهيوني أنه يُجهز لعملية اقتحام بري لقطاع غزة، إلا أن المقاومة أحبطت محاولتهم الفاشلة من استهداف المجاهدين من خلال هذه المناورة الخادعة، لأنهم باختصار لو يستطيعون دخول غزة برًا ما ظلوا حتى اليوم .
نعم هذا ما يحدث الآن في فلسطين، فرضت المقاومة حصارًا جويًا وبريًا على الكيان الصهيوني المحتل، أربكت المقاومة حسابات الجميع، أفشلوا خططهم، كما لا نغفل الحصار النفسي، فمن خلال الفيديوهات والصور المنتشرة على السوشيال ميديا نرى كمية الرعب والصراخ التي انتابت المحتلين، ومن بين هذه الصور انتشرت صورة لجنود الاحتلال، وهم يحتمون بطريقة مهينة بسور أحد الطرق.
إن ما يحدث الآن لهو إرهاصات التحرير، وبشائر النصر، وظهور الجيل المنتظر، جيل التمكين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست