مقدمة

في الحادي عشر من مارس (أذار) 2020، صنفت منظمة الصحة العالمية، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة فيروس كورونا وباء عالميًا، بعد أن تجاوزت حدوده جمهورية الصين الشعبية التي ظهر فيها في ديسمبر (كانون الأول) 2020، وانتشر في عشرات الدول، ونال من مئات الآلاف بين مصابين ومتوفين، ودفع بمختلف الدول والمنظمات الدولية إلى الإعلان عن العديد من السياسات الاحترازية والوقائية في إطار مواجهته والعمل على الحد من انتشاره.

ومن العجيب أن العالم منذ مدة طويلة يعيش فترة نشوء غريبة لفيروسات لم تكن موجودة من قبل ابتدأت بالإيدز، فالإيبولا، فالسارس، فأنفلونزا الطيور فأنفلونزا الخنازير… إلخ، مع إن تلك الفيروسات في شكلها الأخير لم تكن موجودة في الطبيعة قبل ذلك.

هذا عدا العديد من التطورات المخبرية لكثير من الفيروسات، فهناك العديد من الأمراض التي حدث بها تطور وراثي مثل الطاعون السوبر الذي تم تصنيعه بواسطة الاتحاد السوفيتي بحيث لا يؤثر فيه التطعيم المتاح ضد الطاعون، وكذلك 27 نوعًا من المضادات الحيوية التي كان لها تأثير على هذا النوع من البكتيريا، واليوم أصبح فيروس كورونا المستجد أهم حدث كوني في مطلع عام 2020، فحالة الهلع العالمي التي سببها التفشي السريع والخطير للفيروس دفع منظمة الصحة العالمية إلى إعلان حالة الطوارئ ودعت إلى تنسيق الجهود الدولية لمكافحته.

يبدو أن كورونا تجاوز كونه فيروسًا أو وباءً ينحصر الاهتمام به وبتداعياته على مجال الصحة والعلوم الطبية كما هو الشأن مع كل الأوبئة التي مرت على البشرية، حيث من الملاحَظ سرعة تحوله إلى جائحة أو ظاهرة تثير الرعب في كل العالم، عند الصغير والكبير والغني والفقير فارضًا عدالته على الجميع فلا فرق ما بين المواطن العادي والملوك والأمراء وسادة القوم، أو بين دول غنية وأخرى فقيرة.

جائحة كورونا المتجاوزة اليوم مفهوم الوباء التقليدي لأسباب تتصل بسرعة الاستجابة والسيطرة والتعامل المسؤول معها، وصولًا إلى كونها حالة جديدة ذات بعد سياسي مسّ بشكل مباشر مفاهيم سياسية كالدولة والسلطة والحدود الفردانية والحريّات، هذه المفاهيم السياسية أصابها الفيروس بحكم استدعائه لمنطق الدولة، واستعادته لسلطويتها أكثر مما أصاب ترهل البنى التحتية للأنظمة الصحيّة والاقتصادية في الدول التي تصدّرت قائمة فقدان السيطرة على أعداد المصابين، والإسراع في إجراءات العزل.

جائحة كورونا حدث تأسيسي على المستوى السياسي والمفاهيمي لا يقل تأثيرًا عن سقوط جدار برلين، وعواقبه على مستوى الاقتصاد السياسي والمفاهيم السياسية الحاكمة كالدولة والسلطة والعلاقة بالمؤسسات والأفراد بعيدة المدى، وهي تأثيرات عادة لا تظهر إلا بعد تجاوز التأثيرات المباشرة كارتباك الحياة والعلائق المجتمعية، وتفشي حالات الذعر والإشاعات والإنكار والذهاب إلى تأويلات ونظريات المؤامرة، وما يقابلها من أفكار وتخيّلات مما يدخل تحت مفهوم الثقافة القياميّة وأطروحات نهاية الزمان والعالم.

 أولًا: إشكالية الدراسة: حسب ما سبق ذكره تم طرح الإشكالية التالية:

فيما تتمثل خطورة فيروس كورونا؟ وماهي تداعياته الدولية؟

ولمعالجة هذه الإشكالية تم وضع الأسئلة الفرعية التالية:

ما هو فيروس كورونا؟

ما هي أبرز تحديات الدول في مواجهة هذا الفيروس؟

ما تداعيات فيروس كورونا على الدول؟

ثانيًا: أهمية الدراسة: للدراسة أهمية كبيرة تكمن في:

يعد موضوع فيروس كورونا من أكثر المواضيع الحساسة في الآونة الأخيرة بين الباحثين والمفكرين السياسيين والاقتصاديين.

التعريف بفيروس كورونا وتبيان مدى خطورته.

إبراز أهم تداعيات فيروس كورونا على المستوى الدولي سياسيًا، اقتصاديًا، وإنسانيًا.

 1. فهم في فيروس كورونا

 1.1 مفهوم فيروس كورونا

ظهر نوع جديد من فيروس كورونا في الصين، وقد حظي بعدة مسميات مثل:  فيروس كورونا المستجد، أو (كوفيد-19)، أو فيروس كورونا المُتحوّر الجديد، أو فيروس كورونا nCov19، 2019 nCoV acute respiratory disease، حيث سُجلت التقارير الأولية لبدء انتشاره في منتصف شهر ديسمبر من عام 2019، وما زالت الحالات المسجلة بالإصابة به في ارتفاع في مطلع عام 2020. (عثمان، 2020).

ووصل مجموع الإصابات المؤكدة بالفيروس الجديد إلى منذ بدء تفشيه إلى 115 ألف و761 شخصًا، وتسبب بوفاة أكثر من 4 آلا و85 فردًا، ويجدر بالذكر أنّ عدد الإصابات خارج الصين بلغ 35 ألف إصابة في 115 دولة أخرى حول العالم.

وقد أعلنت السلطات الصينية أنّ حالات الإصابة الأولى بالفيروس الجديد تعود في نشأتها إلى مدينة ووهان الصينية، وقد انتشر منذ ذلك الوقت بشكل واسع، على الرغم من اتخاذ الصين إجراءات تحسبية حازمة لمواجهة انتشار الفيروس الجديد بإغلاق مدينة ووهان، وبعض المدن المحيطة بها بمنع السفر منها أو إليها عبر جميع وسائل النقل.

وفي الحقيقة تضم عائلة فيروسات كورونا سبعة أنواع من الفيروسات المختلفة التي يمكن أن تصيب الإنسان؛ أربعة منها – وهي الأكثر شيوعًا – تسبب عدوى الزكام أو نزلات البرد، إضافة إلى النوعين الخطيرين المسببين لعدوى خطيرة في الجهاز التنفسي والرئتين والمعروفين بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية بالإنجليزي (Middle East respiratory syndrome)، واختصارًا (MERS)، والسارس أو ما يُعرف بالمتلازمة التنفسية الحادّة الوخيمة بالإنجليزية (Severe acute respiratory syndrome)، ويعد فيروس كورونا ووهان النوع الجديد والذي تمت إضافته مؤخرًا لقائمة فيروسات كورونا التي يمكن أن تصيب الإنسان.

 2.1 سبب التسمية (فيروس كورونا)

ينتمي فيروس كورونا Coronavirus لمجموعة الفيروسات التي تمتلك حمضًا نوويًا ريبوزيًا RNA viruses، ويرجع سبب تسمية فيروسات كورونا بهذا الاسم لأنّها تمتلك ما يشبه الهالة أو التاج على سطح أو غلاف الفيروس، كما تتميز هذه الفيروسات بامتلاكها لأكبر مجموع وراثي بين فيروسات الحمض النووي الريبورزي المعروفة حتى الآن، وقدرة عالية على تجميع معلومات وراثية من مصادر مختلفة، وتُعدّ فيروسات كورونا واسعة الانتشار، حيث إنّها تُعتبر المسبّب الثاني للزكام بعد الفيروسات الأنفية. (ويكيبيديا، 2020).

 3.1 ظهور فيروس كورونا الجديد 2019 (لماذا ووهان؟)

تم إبلاغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين، في 31 ديسمبر 2019، بوجود 27 حالة مصابة بالالتهاب الرئوي نتيجة فيروس مجهول في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي في وسط الصين. وفي 1يناير (كانون الثاني) 2020، قامت السلطات الصينية بإغلاق سوق هوانان للمأكولات البحرية وبيع الحيوانات الحية في نفس المدينة، والذي اكتشفت السلطات الصينية أنه بؤرة لتفشي هذا الفيروس الجديد الذي سُمِّي فيروس كورونا الصيني. وفي 9 يناير تم الإبلاغ عن أول حالة وفاة تحدث بسبب الفيروس الجديد.

 أشارت أصابع الاتهام إلى أن سوق هوانان لبيع الحيوانات الحية في مدينة ووهان كان السبب وراء انتقال المرض من الحيوانات المصابة إلى البشر، حيث ارتبطت كافة الحالات الأولى للمرض بهذا السوق. وأشار عددٌ من العلماء إلى أنه نتيجة تشابه هذا الفيروس الجديد مع فيروس سارس الذي يُصيب الخفافيش والثعابين، فمن الممكن أن تكون شوربة الخفافيش أو أكل لحوم الثعابين أحد أهم أسباب انتقال المرض إلى البشر.

 وتشير بعض التحليلات إلى أن مختبر ووهان الوطني للسلامة البيولوجية (Wuhan National Biosafety Laboratory) الذي يقع على بعد 20 ميلًا من سوق هوانان، هو سبب انتقال وتفشي الفيروس الجديد، وقد تم افتتاح هذا المختبر في مدينة ووهان عام 2017 لدراسة فيروسات السارس والإيبولا على الحيوانات، وتم بناء المختبر ليلبي معايير المستوى (BSL-4) للسلامة البيولوجية، وذلك لمجابهة أعلى مستوى من المخاطر البيولوجية. ولكن حذّر عدد من العلماء الأمريكيين من افتتاح هذا المختبر، وأكدوا أن هناك فرصة كبيرة لتسرب أي من الفيروسات التي تخضع للدراسة وتحورها، واستشهدوا بواقعة تسرب فيروس سارس من المختبرات الصينية عام 2004، وذلك أثناء إجراء دراسات عليه.

لذا يعتقد بعض العلماء أن الفيروس قد يكون تسرب من مختبر ووهان إلى بعض الحيوانات في سوق هوانان بشكلٍ ما، وأنه انتقل إلى البشر بسبب استهلاك لحوم الخفافيش أو الثعابين. (فخري، 2020).

2. قراءة تحليلية لفيروس كورونا

أما بالنسبة للمحور الثاني فسنحاول التطرق إلى تحليل فيروس كورونا من خلال الاعتماد على النقاط التالية:

1.2 فيروسات القرن العشرين وعولمة الأوبئة:

شهد القرن العشرين انتشار العديد من الأوبئة على فترات بعضها متباعد والآخر متقارب، ومن أخطر هذه الأوبئة، وفق معيار الانتشار وعدد الوفيات: (عبد الشافي، 2020، صفحة 3).

1- وباء الإنفلونزا الإسبانية: كانت بدايته في خريف عام 1918، من الولايات المتحدة، ومنها إلى أوروبا ومختلف دول العالم، وتجاوز عدد الضحايا أكثر من 50 مليون شخص في أقل من عامين، أي ثلاثة أضعاف الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى التي حصدت أرواح 16 مليون شخص بين 1914 و1918.

2- وباء الإنفلونزا الآسيوية: ظهرت موجته الأولى في الصين 1957، وانتقل إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وسنغافورة ومختلف دول العالم، وبلغ عدد الضحايا 4 ملايين حالة وفاة عام 1958.

3- وباء إنفلونزا هونج كونج: بدأ في الصين في يوليو (تموز) 1968، واستمر حتى أوائل عام 1970، وخلال أسبوعين فقط من ظهوره تم الإبلاغ عن 5 ملايين حالة إصابة في جنوب وجنوب شرق آسيا (الصين، الهند، الفلبين) واستراليا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، والعديد من دول أوربا وأفريقيا، وتسبب في وفاة نحو مليوني شخص.

4- فيروس الإيدز: ظهر في يونيو (حزيران) 1981، في الولايات المتحدة، وفي عام 1983 تفشى في أفريقيا، وصنفه برنامج الأمم المتحدة المعني بنقص المناعة البشرية بأنه الوباء الأكثر فتكًا في العصر الحديث، حيث أصاب نحو 78 مليونًا، وأسفر عن وفاة ما يقرب من 39 مليون شخص حول العالم.

5- فيروس السارس: ظهر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 جنوب الصين، ثم انتقل إلى فيتنام وسنغافورة وتايوان وغيرها من الدول الآسيوية، وحتى يوليو 2003، كان الفيروس قد أصاب نحو 10 آلاف شخص وتسبب في وفاة نحو ألف شخص حول العالم.

6- فيروس الإيبولا: ظهر في الكونغو الديمقراطية عام 1976، على مقربة من نهر إيبولا، ومنه أخذ الاسم، وفي ديسمبر 2013، ظهر هذا الوباء مجددًا في غينيا وانتشر إلى ليبيريا، وسيراليون، ومنهما إلى نيجيريا، والسنغال، وتسبب في وفاة نحو 6 آلاف شخص. ثم ظهر عام 2018 في الكونغو الديمقراطية، وأودى بحياة 2200 شخصًا. (عبد الشافي، صفحة 3).

يأتي انتشار الأوبئة وارتفاع تكلفتها البشرية والاقتصادية في عصرنا الحالي لأسباب عديدة، أهمها وعلى رأسها اتساع موجة العولمة، ففي الوقت الذي شهدت فيه العولمة عصرها الذهبي، منذ بداية عقد التسعينات من القرن العشرين، وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد شهد العالم توسعًا كبيرًا ومتسارعًا في النشاط الاقتصادي.

إن ما يستفيده الاقتصاد العالمي من انفتاح في ظل العولمة، من خلال جعل انتقال البشر والأيدي العاملة أكثر سهولة ويسرًا، فهو يُعد في الوقت ذاته قناة لنقل الفيروسات بين الدول، وتحولها إلى أوبئة عالمية في أيام معدودة، وهذا ما يمكن وصفه بـعولمة الأوبئة. (صلاح، 2020).

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

أزمة, كورونا

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد