انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من المقالات التي تتحدث عن فتح سوق العمل في ألمانيا، وعن تصديرها كأمل جديد لمن يريد السفر إلى دولة من دول العالم الأول، فجاءت غالبية تلك المقالات، وكأن الأمر في غاية السهولة، فمع حصولك على اللغة، وهو الشرط الأساسي والأول، فستفتح لك ألمانيا أذرعها مرحبة بقدومك إليها، وهو ما ليس صحيحًا تمامًا. وربما يمكنني ملاحظته بشكل أكبر بصفتي ممن يقيمون في ألمانيا منذ زمن.
سوق العمل:
بعد الحرب العالمية الثانية، قامت ألمانيا باستيراد عمالة كبيرة، لتقوم بالمساعدة على إعمارها وبنائها من جديد، وتمثلت تلك العمالة في غالبيتها من دول كتركيا (مثلت العدد الأكبر من العمال)، والمغرب والجزائر، ولم تكن ألمانيا حريصة على أن يكون لهذه العمالة أي قدر من التعليم أو الكفاءة، فلم تكن الأوضاع وقتها تحتاج لمثل ذلك الأمر.
إلا أنها ما لبثت واكتشفت مدى المشاكل المترتبة على العمالة المجلوبة من الخارج وقتها، بعد أن مثل الأتراك النسبة الأكبر من المسلمين المتواجدين في ألمانيا، بدون أي محاولات منهم للاندماج في المجتمع الألماني، فيمكنك أن تجد حتى اليوم، مواطنين أتراك يقيمون في ألمانيا منذ أكثر من 50 عامًا، ولا يجيدون حتى اليوم الحديث باللغة الألمانية، كما أن الأتراك يحبون أن يعيشوا في مجتمعات خاصة بهم، بحيث يتواجدون على مقربة من بعضهم البعض، ربما بدأ هذا الأمر يتغير مع الجيل الثالث، إلا أن ألمانيا لم ترد المجازفة ثانية، وبدأت في وضع العديد من الشروط للقبول في سوق العمل لديها، رغم حاجتها الشديدة حاليًا للعمالة.
منذ فترة بدأت ألمانيا الحديث عن رغبتها في فتح الأبواب لاستقبال عمالة خارجة، نظرًا لزيادة عدد المحالين على المعاش مستقبلًا، بناءً على ملاحظة نسبة المواليد للوفيات في الآونة الأخيرة، إلا أنها لم تفتح أبوابها على مصراعيها لأي من كان.
غالبًا ما تكون الأولية لمواطني أوروبا الشرقية، والاتحاد الأوروبي بصفة خاصة، فإذا ما أراد أجنبي العمل من خارج الاتحاد الأوروبي، فألمانيا تبحث عن أشخاص متفوقين في تخصصات، حددتها تبعًا لموقع وزارة الشؤون الخارجية، بدأت بالأكاديميين على اختلافهم، بالإضافة إلى العاملين في مجالات الرياضيات، وعلوم الكمبيوتر، والعلوم والتكنولوجيا، وأخيرًا الأطباء. واشترطت عدم قبولها لمن لا يمتلك أي مهارات مسبقة، أو ممكن تصنف مهاراته بالمتدنية.
أما بالنسبة للمهنيين بوظائفهم المختلفة، فيجب عليهم أن تعادل مؤهلاتهم قانون الاعتراف بالتأهيل المهني الألماني (يتوجب على المهنيين في ألمانيا أيًّا كانت وظيفتهم، أن يقوموا بدراسة هذا المجال لعامين على الأقل، حتى يسمح لهم بالعمل في المجال).
ومع وجود مؤهلات مرتفعة، فيمكن للدولة تسيير جميع العقبات، فلقد فُتحت الأبواب بكاملها للعاملين في شركة إنتل المصرية، والتي تم نقلهم حديثًا إلى ألمانيا بعد إغلاق الشركة لأبوابها في مصر.
ألمانيا والمسلمون:
رغم أن باب الحوار بين الدولة والمسلمين مفتوح منذ عدة أعوام، إلا إنها لم تخطُ خطوات حقيقية في سبيل الاعتراف بالإسلام كدين رسمي في الدولة، على خلاف المسيحية واليهودية، ورغم تخطي عدد المسلمين لحاجز الخمسة ملايين نسمة.
إلا أنه ورغم ذلك بدأت بعض الولايات الألمانية، وبعيدًا عن حكومة ألمانيا الاتحادية، بالاعتراف بالإسلام كدين رسمي فيها، مما يعطي المسلمين بعض الحقوق التي يسعون للحصول عليها.
ولكن لا يمكننا اعتبار ذلك على أنه تحسن في علاقة الدولة ككل بالمسلمين، فتبعًا للقانون الألماني، فلكل ولاية من ولايات ألمانيا الستة عشر، كامل الحرية في اتخاذ القوانين التي تناسبها، طالما لم تتعارض مع قانون أقرته الدولة الاتحادية.
وبالرغم من ذلك، وعلى سبيل المثال، فولاية بافاريا ومنذ 5 سنوات، ترسل لأهالي الطلبة من المسلمين تسألهم هل ستسمح لابنك بحضور حصة الدين الإسلامي إن توفرت في المدرسة؟ ولم تتوفر الحصة حتى الآن في الكثير جدًا من المدارس، لاشتراط الولاية لشروط محددة تتوفر في المدرس، وهو ما أدى إلى عدم وجود مدرسين كافيين لهذه المهمة. في نفس الوقت يسُن القانون البافاري على عدم السماح للمحجبات بالعمل في المؤسسات الحكومية، ومن ضمنها المدارس.
بالطبع اعتراف الحكومة الاتحادية بالإسلام، وإعطاؤها المسلمين حقوقهم، سيجعل الأمور مختلفة بالكامل، عن اعتراف ولاية هنا، أو ولاية هناك.
اللجوء في ألمانيا:
زادت كثيرًا أعداد اللاجئين في ألمانيا، خاصة القادمين من سوريا، وهو ما أظهر مدى العنصرية التي يقابل بها اللاجئون، وفي نفس الوقت فتحت ملفات سوء أوضاعهم اللاإنسانية، والتي يظلون فيها حتى يُبت الأمر في طلب لجوئهم.
تشترط ألمانيا حاليًا أمورًا محددة لقبول اللجوء، يتمثل أهمها في حالة الاضطهاد الديني، أو في حالة وجود حرب في الدولة القادم منها اللاجئ.
وعلى هذا الاعتبار، تم رفض لجوء بعض المصريين مؤخرًا، بعدم اعتبار ألمانيا لمصر دولة في حالة حرب، إلا أنها ما زالت تقبل طلبات اللجوء القادمة من مواطنين مصريين يحملون الديانة المسيحية، على اعتبارات الاضطهاد الديني الموجهة لهم.
الحياة في ألمانيا
يمكن اعتبار ألمانيا من الدول المميزة للحياة فيها، ونعم هي تستحق أن يبذل الشحص ما في وسعه إن أراد الحياة والعمل فيها، ولكن لا يمكننا تصوير الأمر على أنه غاية في السهولة، وأن الدولة تنتظر فقط أن تحصل على لغتها لتستطيع السفر والعمل فيها.
ربما يكون الأمر أكثر حظًّا للقادمين إليها للدراسة، سواءً عن طريق منحة أو أن يتكفل الشخص بمصاريفه الشخصية كلها حتى يتم مرحلة دراسته كلها، ويمكنه حينها أن يبحث عن عمل أثناء الدراسة أو ما بعدها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست