يؤدي التعصب والفكر الذكوري الذي ما زال متفشيًا بقوة في العالم برمته وحتى في مجتمعاتنا العربية للأسف، إلى حرمان الإناث بصفة خاصة من عدة حقوق أبرزها التعليم! فنجد آباء يحبسون بناتهم في المنزل ولا يسمحون لهن بمزاولة دروسهن لأسباب تبدو تافهة إذا أعملنا عقلنا وفكرنا فيها، فمثلا إذا رسبت الفتاة ولم تنجح في الانتقال إلى السنة الدراسية التالية، فإن مصيرها المنزل والمطبخ لا محالة!
وقد يكون السبب هو مشاهدة أحد الأقارب لها وهي تتحدث مع زميل من زملائها، وهنا تحرم الفتاة من الدراسة إضافة إلى ضربها، رغم أن أغلب المدارس اليوم هي مدارس مختلطة ولا مناص من الحديث مع الجنس الآخر!
وهناك عدة أسباب أخرى، ناهيك عن الفتيات اللواتي لا يدخلن إلى المدارس أصلًا، ويكون مصيرهن معروفًا ومحددًا منذ ولادتهن من طرف عائلاتهن!
وهنا تبدأ رحلة البحث عن الزوج الذي سينقذهن من لقب «عانس» ولنفرض أنهن وجدنه وعثرن عليه حتى إن لم يكن يلبي كافة رغباتهن، حتى إن كان غير مثالي كفاية لهن أو بالأحرى لا يناسبهن! فهل ستتمكن من مجاراته في رحلة الحياة والتواصل معه وإبداء آرائها حول مختلف المواضيع؟ وحتى تربية أبنائه تربية سليمة وسوية؟! أم أنهن لن يتجاوزن كونهن آلات للإنجاب وإنجاز الأعمال المنزلية؟!
ولا يقتصر التعليم على الذهاب إلى المدرسة والعودة منها، فالتعلم حسب رأيي عملية مستمرة لا غنى عنها، فلو أن الفتاة أجبرت على البقاء في المنزل وعدم الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة، فإن إمكانية ممارستها التعلم الذاتي تبقى قائمة! وخاصة في زمننا الحالي، حيث أصبحت وسائل الحصول على المعلومات في كل مكان من حولنا، فقط يبقى الأمر متوقفًا على استغلالنا الجيد لها، وإن كانت الفتاة لا ترغب في التعلم فهنا تصبح هي مخطئة لكنها تبقى في نفس الوقت ضحية مجتمع ذي منظور رجعي! لا يكف عن التمسك بعادات بالية رافضًا التخلي عنها، زاعمًا أنها جزء لا يتجزأ منه، وأنها ركيزة من ركائز أصالته وأساس يقوم عليه شرفه.
ولا تنتشر ظاهرة حرمان الفتيات من التعليم في عالمنا العربي فقط، بل في دول عديدة أخرى كالهند ودول جنوب أفريقيا، حيث وصل عدد الفتيات غير المتعلمات إلى أكثر من 62 مليون فتاة عبر العالم! في الماضي وأدوهن والآن تركوهن أميات، وهو نفس الشيء، فالعلم في أصله حياة.
ولا بد لنا من الوقوف في وجه هذه الظاهرة ومحاربتها بشتى الوسائل، حتى لا تضطر فتيات بريئات من مختلف ربوع العالم إلى الحرمان من أسمى وأهم حقوقهن وهو التعليم، فكم من فتاة أجبرتها الظروف على التوقف عن الحلم وعن السبيل إلى الحلم «التعليم»؟! كم من فتاة راحت ضحية مجتمع متشدد ومتعصب جردها من كينونتها واختياراتها وحرمها من حريتها التي فطرت عليها!
إنهن كثيرات لدرجة لا تصدق! يتوزعن عبر العالم، جميعهن تجمعهن صفة واحدة «أميات»!
إلى متى يبقى اضطهادهن أمرًا عاديًا ومتداولًا؟ وإلى متى يبقى سكوت الناس عنه مستمرًا؟! ألن نتحد جميعًا من أجل إيقاف هذا الجرم ووضع حد له! هل نسينا أن الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق؟ أنى لنا بشعب طيب الأعراق إن كانت الأم غير معدة كما يجب! إن كانت الأم محرومة مستسلمة وخاضعة؟ ألن يكون صغارها عديمي الاستحقاق وغير قادرين على إحداث تغيير إيجابي في مجتمعاتهم؟! ألن يكون الشعب القادم ضعيفًا وخاضعًا؟ رغم أعراقه الطيبة؟ إذن فلنوقف ظاهرة حرمان الفتيات من التعليم ولنحرص على تعليم الأنثى كما يتعلم الذكور؛ لأن طفلة اليوم هي أم الغد!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست