الكلمة الخالدة التي تعلمناها في المدارس منذ الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية: لو لم أكن مصريًا لوددتُ أن أكون مصريًا.

ورحم الله الزعيم «مصطفى كامل» الذي أفنى زهرة شبابه وعمره القصير (1874ـ 1908م) من أجل هذه الكلمات!

ولكننا بعد قرن وربع من مقولته لدينا «حكمة» جديدة مؤلمة لم تجئ من آسف على لسان مصري أو مصرية، وإنما انطلقتْ من فم أم إيطالية مكلومة في ابنها، قالت السيدة «باولو ريجيني» أم الإيطالي «جوليو روجيني» في أول مؤتمر صحفي عقدته في 29 من مارس الماضي، بعد العثور على جثة ابنها «جوليو» على طريق مصر الإسكندرية في 3 من فبراير الماضي بعد اختفائه في الذكرى الخامسة لمحاولة الثورة المصرية:

«إن ابني تعرض للتعذيب، وليس من السهل عليّ كأم أن أكون هنا، لكن ما حدث لابني ليس حالة فردية، كما يقول النظام المصري، وأود أن أقول إنه توفي تحت التعذيب كما حدث وسيحدث للمصريين، وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي يحدث الأمر فيها لإيطالي في مصر، إلا إنها ليست الأولى ولا الأخيرة التي يحدث الأمر فيها لمصري»!

إنها تريد القول إن ابنها، وإن زار مصر لا ينبغي أن يُعامل من قبل سلطاتها كما يُعاملُ ويُقتلُ المصريون، أي إن المصري صار أهون خلق الله على حكامه، ولكن هذا الأمر لا يعني أمه في المقام الأول وإنما يعنيها إن ابنها إيطالي، ولأنها امرأة غربية تجيد الحديث إلى الغرب بلغته فقد أضافتْ:

ـ «إنني لم أعرفه إلا بأرنبة أنفه.. فكل عضو بعد ذلك في جسده لم يكن في مكانه ليدل عليه، ولو لم تتخذ السلطات الإيطالية إجراء مناسبًا فسوف أنشر صورة «جوليو» على العالم»!

إنها تلمح لمقدار التعذيب الذي تعرض له ابنها، ولا تريد التصريح إلا في وقته وأوانه!

النظام الحاكم الانقلابي في مصر يدور حول نفسه من أجل حل هذه المعضلة، فضابط ما، ولا أريد الجزم بشخص، وإن كان هناك اسم متهم في قضية من قبل خاصة بالتعذيب، ونال حكمًا بالسجن لمدة عام، أي إنه سبق له أن قتل، ثم ترقى بعد القتل ليقتل آخرين، ومن ضمن منظومة الاستخفاف بالإنسان ساقه قدره إلى أن يقتل إيطاليًّا هذه المرة، على افتراض صحة ما تريد سلطات التحقيق الإيطالية الدفع بصحته، أو كما قالت العرب: الأيام حبلى من الدهر يلدن كل عجيبة!

أما «محمد فوزي» فمواطن مصري ممن يسمُّون بالمواطنين الشرفاء خرج على الهواء مع إعلامي انقلابي قيل كان يعمل «أمين شرطة» ثم تمت ترقيته إلى صحفي بجريدة «الأهرام»، ثم «مذيع»، المهم شهد «فوزي» بإنه رأى «جوليو روجيني» يتشاجر مع شخص آخر بقرب وسط البلد وفي مدى السفارة الإيطالية، فلما استجوبته النيابة المصرية ثبت إنه كاذب فما زاد على أن قال:

ـ «كنتُ أريد أن أخدم بلدي!».

نعم الخدمة.. ونعم البلد من وجهة نظره..

أما الأهم فهي أوراق «جوليو ريجيني» الثبوتية وبطاقات السحب والدفع الإلكترونية، التي قالت الداخلية المصرية إنها وجدتها إلى جوار خمسة من المصريين قتلتهم قبل أيام قليلة بدم بارد، تواصل الجانب الإيطالي مع الشركة المُصنعة للمستندات فأفادت بأن ما وجد إلى جوار «ريجيني» هي أوراقه الثبوتية الصحيحة،  أي إن جهة ما سيادية احتفظت بها ثم لفقتها لمصريين خمسة تُوفوا لتبرئ ساحتها من إيطالي قتلته!

بقي إن المصريين، بحسب كلام «باولو ريجيني، والدة جوليو» يُقتلون تحت سلطة العسكر ولا ضمير للعالم يَعترض على قتلهم، كما يُقتل الفلسطينون، والعراقيون، والسوريون، وغيرهم من العرب والمسلمين، وهذا لا يهمها من الأساس، ولا يهم سلطات بلادها ولا حتى البرلمان الإيطالي أو حتى الأوروبي، وإنما ما يهمم هو سلامة «مواطن» من مواطنيهم، ومع تمنياتنا النجاة لجميع البشرية، إلا إن الكيل بمكاييل هذا كم أضاع حقوقًا على البشرية، فهذه الدول التي ادعتْ العمى عن الانقلاب وقتله آلاف المصريين حتى وصل الدور إلى رعاياهم .

وبقي إن أقصى طموح للمصري اليوم بعد وفاة أحد أهله بسبب السلطات الانقلابية أن يجد أحدا يسأل عن قاتله، في الدنيا، كما تسأل «باولو روجيني»، وأخشى في ظل حالة العمد المستعر في مصر أن يجعل بعض الشباب من صورة «جوليو» صورة شخصية على حسابات الفيس الخاصة بهم، وأن يصبح الطالب الإيطالي، بقسم التعليم العالي، رمزًا وحلمًا ثوريًا لإن هناك منْ سعى وراء حقه بعد وفاته، وإن كان هذا لا يقلل من شغفي بعودة روح العدل والعدالة إلى مصر قريبًا، وحتى ذلك الحين، ولها الله مصر ولهم الله المصريون!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد