﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ صدق الله العظيم
نستهل موضوع اليوم بالآية الكريمة وهي من الآيات الكثيرة عن الأمن، فالله سبحانه عز وجل قدم نعمة الأمن على كل النعم الأخرى التي لا تعد ولا تحصى وجعلها في المقام الثاني، فأساس ازدهار الأمم وتقدمها بسبب واحد فقط، ألا وهو الأمن، فالعالم مثلًا لا يستطيع أن يخترع جهازًا ما أو سلاحًا أو مادة ما لا يوجد مثيل لها، إلا بتوفر عنصر الأمن حتى يكون مطمئنًا وهادئًا ومركزًا في أعماله البحثية، والمفكر الذي يكتب عن إشكاليات موجودة بالمجتمع وحتى يصل إلى مراده يجب أن يكون آمنًا من كل سوء قد يمسه، إذن النعمة التي أتكلم عليها اليوم عظيمة عند الله وهي في المقام الأول، نظرًا لأهميتها الإستراتيجية في بناء الحضارات التي تركت بصماتها بالعالم، وانعدامها هو خراب لكل أمة ووسط عفن ينتشر فيه فيروس الفتنة التي تنخر مجتمعاتنا العربية.
فالأمن هو ترياق التطور والازدهار والنمو ولإثراء الموضوع، أضرب لكم مثلًا عن فترة عشناها ولا نزال نعيش آثارها المدمرة على الأسرة والاقتصاد والسياسة، إنها فترة العشرية السوداء، فانعدام الأمن جعل الجميع يختبئ خوفًا على حياته، توقف الدكاترة الاجتماعيون عن تحليلهم، الأساتذة الجامعيون خاصة في مجال الاجتماع والسياسة والقانون، عن التكلم ومنهم من لاقى حتفه، أحرقت المصانع وآلاف العائلات تشردت وتفرقت لانعدام العمل، نزوح ريفي نحو المدن الكبرى التي كان يوجد بها مراكز الأمن، وهذا خلق لنا مدنًا عشوائية، شوارع غير منظمة، اختلاط الأسر المحافظة بالتي كانت موجودة قبلها بالمدن، خلق طبقة مجرمة تحترف الإجرام، انهيار كلي للبنية التحتية، ضعف القدرة المعيشية للأفراد، ظهور فرق ثرية لا نعلم من أين جلبت الثروة، حتى إنني أجريت بحثًا معمقًا عن إحدى العائلات التي تعاني الفقر المدقع قبل فترة التسعينيات، وبعدها أصبحت من أثرى العائلات، استغلوا ضعف المناعة وتفشي فيروس الفتنة كما أشرت إليه أعلاه، والمناعة هنا هي الأمن الذي كان يعاني كثيرًا في تلك الحقبة وأصبح كالرجل الضعيف الذي تفشى المرض بجسده.
اذهب وخاطب أحد العقلاء من كبار السن واطرح عليه أي سؤال عن ماذا يريد؟ يرد عليك ببساطة فلسفته وخبرته في الحياة أريد الهنا وهي كلمة بالدارجة تعني الأمن، فلا شك أن تحليله صواب لا يمكن لأي كان أن يأتي بالعكس، فبدونه لا نستطيع العيش بدونه، فهو الطمأنينة والهدوء النفسي الذي يسمح لأي كان أن يفكر بسلاسة وأن يعمل على ازدهار المدينة.
كل ما جرى عرضه لكم في هذه الأسطر القليلة عن الأمن بشتى أنواعه من الأمن الغدائي إلى غاية الأمن القومي، فبلادنا أصبحت في خطورة تامة نظرًا إلى تحقق جميع شروط توافر الأمن بها، فهناك دول محسوبة على الدول العربية تعمل بالخفاء مع الدول الصليبية من أجل زرع البلبلة والفوضى والفتن بالمجتمع الموحد تحت راية واحدة ودين الإسلام، لكن نحن الآن نوفر ذلك الجو العفن الذي تتكاثر فيه الأوبئة والأمراض، فهناك من يعمل وراء الستار الأزرق ويستغله وسيلة لنشر الفتنة، وكما أشرت سابقًا في مقالي القلم الحاد في زمن الإلحاد عن الحروب الصليبية ولونها الجديد، لا تريد الخير للبلاد وللعباد، ولكي نحارب مكتسباتنا القومية وحتى لا يذهب دم الشهداء ورجال الأمن بمختلف أطيافه، أساتذتنا ومثقفينا الذين قدموا نفس والنفيس، أوليائنا وعائلاتنا التي ماتت، لا تصدق كل ما ينشر أو يقال، بل تحرى الخبر ويكون سلاحك الوعي.
كن واعيًا ومتحضرًا وحرًّا في أفكارك لا تكن مثل بيدق يلعبون به على طاولة شطرنج، أبطالها الخونة وأيادي الظلام.
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ صدق الله العظيم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست