إذن سبعة أدباء من سبعة دول تشكل بلاد الخليج.

1 – عبد الرحمن منيف

مدن الملح تعد أعظم رواية سعودية، وإحدى أضخم الروايات في الأدب العربي، موثقًا فيها منيف لفترة تحول هامة جدا في التاريخ السعودي، هي اكتشاف النفط في الجزيرة العربية وما أعقبه من تغيرات (ثقافية واجتماعية وسياسية) متسارعة حلت على القرى والمدن. فيقول عنها الناقد فيصل دراج «مدن الملح وثيقة اجتماعية تاريخية ترصد فترة من أخطر الفترات في التاريخ العربي المعاصر».

وعن هذا الأدب يقول الباحث فخري صالح واصفًا علاقته بالغرب: «الأدب، في هذه الحالة، يتحول إلى وثيقة اجتماعية وسياسية يقرؤها المتخصصون من ذوي الاهتمامات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية أو الاستشراقية. أي أنه يتحول إلى نوع من الاستشراق الجديد، لكن بأدوات مختلفة، وعبر الترجمة هذه المرة».

لتكون مدن الملح بذلك وثيقة أدبية هامة توثق لتحول الجزيرة العربية إلى الدول النفطية مستفيدًا بخبرته في مجال النفط؛ حاصل على شهادة الدكتوراه في اقتصاديات النفط، وعمل في الشركة السورية للنفط، وصار خبيرًا معترفًا به في مجال النفط، رئيس مجلة النفط والتنمية.

ولو علينا أن نذكر أديبًا سعوديًا آخر تاليًا عليه أو موزايًا له، فأول من يخطرنا هو غازي القصيبي، الذي كان ليلقى مكانته بين الأدباء المذكورين لولا القانون الصارم الذي وضعته لنفسي بأن أذكر أديبًا واحدًا من كل بلد. جدير بالذكر عبده خال.

2 – عنترة بن شداد

تعد سيرة عنترة واحدة من أعظم السير الشعبية والملاحم الأدبية في التاريخ، على الصعيدين الأدبي والأسطوري، فيمكن اعتبارها نموذجًا مثاليًّا للسيرة الشعبية وللملحمة الشعرية معًا، وهي تؤكد حقيقتين بارزتين؛ الأولى هناك ملاحم عربية تتنافس مع كبريات الأعمال الملحمية لدى الشعوب الأخرى.

وهي ملحمة يرويها البطل نفسه. بطل الملحمة يقص علينا قصته. فالمعروف أن مصادر الملحمة الأساسية مصدرين؛ الأخبار والأشعار. الأولى تمثلت فيما تناقله الناس على ألسنهم من قصص وقصائد، والثانية هي ما حفظ ونقل عن قصائد عنترة.

ينتمي عنترة بن شداد العبسي إلى الجزيرة العربية التي ازدهر فيها الشعر العربي في عصره الذهبي المتفجر من العصر الجاهلي ممتدًا بأطرافه إلى العصر الأندلسي. وهو من نجد التي أخرجت لنا شعراء ليسوا أقل قدرًا منه؛ الخنساء وأجمل ما قيل في شعر الرثاء، وقيس بن الملوح وأجمل ما قيل في شعر الغزل. الأخيران عمانيان بينما عنترة يمني.

ومن اليمنيين الحديثين نذكر زيد مطيع دماج.

3 – بثينة العيسى

هناك محاولات جادة وشابة في الأدب العربي مدفوعة بنزعة تجريبية لإعادة تشكيل البنية السردية في الرواية العربية؛ شيرين هنائي من مصر، أيمن العتوم من الأردن، بثينة العيسى من الكويت.

الكويت هي ثاني أهم بلد في الأدب الخليجي بعد السعودية، وقد تحيرت في هذه المرتبة بين امرأتين جميلتين ذوات أسماء جميلة؛ بثينة العيسى وليلى العتمان. ثم هناك الشاب سعود السنعوسي. وما بين ليلى وبثينة استقر اختياري على الأخيرة.

لا تخجل بثينة من استخدام عبارات متجاوزة جنسيا أو دينيا مما قد تسمى تطاولًا أو تجديفًا، في التعبير عن الأزمات التي تمر بها شخصياتها. وهي إن كانت تخدش الحياء إلا أنها أيضًا تخدش أو ربما تجرح طبقات من المحرمات (تابو) التي وإن تظل متماسكة لدى معتنقيها في أغلب الظروف، ولكن ليس في أحلك الظروف حيث تقع المصيبة على المتلقي وقعًا لا تأبه فيه للتقاليد والأعراف، أو ما يمكن تجاوزه وما لا يمكن.

في المثال الأول (التجاوز الجنسي) تستخدم الكاتبة مفردات من محيط الشخصية (مكونات طعام) في اللحظة الراهنة لتعكس دواخلها المضطربة «واشتريت وجبة (سوبر سايز دبل ووبر) وحرصت أن يكون كل شيء عملاقًا ودهنيًا وفائضًا. وأنا أتضور وأموت من الاشتهاء. أتنشق الرائحة الدسمة للزيت المقلي وأفكر بعيدان البطاطا. أتذوق (الووبر) في خيالي – أقبض عليها بيدي، تسيل عصاراتها دافئة في فمي».

المشكلة أن الكاتبة تصرح بعدها مباشرة بانتهاكها المحرم «الفتيات الأكثر جرأة مني، ممن تطاولن على المحرم وانتهكن التابوه من أجل شراء وجبة (ووبر) أو (تشيكن رويال)» مما أضعف القوة البلاغية للتشبيه السابق وتوارى الرمز قليلا. ولكن هناك جملة أرجعت للنص ثقله وقوة عباراته «الثمرة المحرمة» وبالرغم من أن ممارسة الجنس المستخدم في التشبيه هو سلوك غير مشروع، إلا أن الكاتبة طوعته للتعبير عن رغبات مشروعة، وتتمثل الثمرة المحرمة في أي من الخروج من المنزل / الشعور بالاستقلال / اختيار الشريك / قيادة السيارة.

في المثال الثاني (التجاوز الديني) وفي سطر واحد تجسد الصراع المأساوي بين رجاء العبد وابتلاء الرب «رفعت يديها إلى السماء عاليًا وصاحت: يا رب! أسحبُ كل ما قلته، فقط أعد لي ولدي!» خير تعبير وأكثرها واقعية عن فاجعة فقد الطفل، وهو مصاب قيل في قسوته أن موت الابن خير من فقده. هناك تعبير آخر لافت هو «فاتتنا الصلوات! همست سمية بقلق. شعر ملاحظتها بلا معنى».

ونلاحظ أن الأزمتين مرتبطين بالافتراق عن العائلة؛ الهروب في الأولى والضياع في الثانية. وفي المثالين هناك ارتباط بالحرم الجامعي وجامع الحرم، في نقد لبعض النظم التي تسير الحركة (التعليم أو العبادة) في المكانين. نقد للنظام وليس للمكان.

ما يزيد الأمر صعوبة هو موجات العزل التي تبثها الكاتبة أو ربما هو الواقع على شخصياتها، لتشكل حولها (هالات/ بالونات/ فقاعات/ قواقع) تعزلهم عن ما حولهم، وتعزل الجميع عنهم. ويتبلد الشعور الإنساني. وتزداد هذه العزلة حتى مع ازدياد عدد المحيطين بالمكروب. «ماني راد على أحد. لم يكن مستعدًا لتلقي اتصالات المتعاطفين والقلقين والفضوليين».

4 – الخنساء

بعد عنترة أبرز خيارين بين الشعراء هما الملوح والخنساء، ولكني لم أتحير كثيرًا، فحب الأخ خير عندي من حب العشيق.

الخنساء هي صاحبة أشهر اسم أنثوي في الشعر الجاهلي بعد ليلى المتيم بها قيس وهي من نسل الأخير، وهي قطعًا أشهر شاعرة عربية على الإطلاق ومن أجمل نساء العرب أيضًا. واسمها الحقيقي هو تماضر بنت عمرو بن الحارث السلمية، ويمتد نسبها إلى كونها هي أم عمرو تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد وهو عمرو بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. من آل الشريد من سادات وأشراف العرب وملوك قبيلة بني سليم في الجاهلية. وقد أدركت تماضر الإسلام وأسلمت. ولقبت بالخنساء بسبب قصر أنفها وارتفاع أرنبتيه، وهو ما ساهم في جمالها. يقول الحصري في كتاب زهر الأدب «لقبت بالخنساء كناية عن الظبية وكذلك الذلفاء والذلف قصر في الأنف ويريدون به أيضًا أنه من صفات الظباء».

ولدت من آباء شعراء، فكان من قومها الذبياني والجعدي ولبيد بن ربيعة والشماخ وغيرهم.

هناك عمانيون حديثون من الجديرين بالذكر مثل جوخة الحارثي الحاصلة على جائزة مان بوكر عن روايتها سيدات القمر 2019. وعبد الله بن علي الخليلي شيخ القصيدة العمانية الحديثة. وسعيد السيابي رائد الواقعية السحرية في عمان.

5 – محمد المرّ

وقد عرضنا نموذجين للقصيدة (عنترة والخنساء)، ونموذجين للرواية (بثينة ومنيف)، نأتي هنا على ذكر نموذج للقصة القصيرة، والذي يمثله رائد أدب القصة القصيرة في الإمارات والخليج، محمد المرّ، والذي يتجاور بأدبه مع زكريا تامر رائد القصة القصيرة في الشام، وأحمد بوزفور في المغرب، ويوسف إدريس في مصر.

«محمد المُر يتمتع بنزعة إنسانية واضحة، ونزعة إلى التعاطف مع حالات البؤس الاجتماعي، وهو يمتاز بقدرة على الاقتراب من الشخصيات التي يختارها في قصصه، ولديه قدرة على تصوير الطبائع البشرية التي تبدو متناقضة. والملاحظ أن أهم ما يميز سرد محمد المُر أنه يعرض أفكاره بأسلوب حكائي يقترب من الرواة الشفاهيين، كما أنه يستطيع أن يقطر اللحظة ويستولد منها أخص ما فيها من مُرِ التجربة أو حلو اللذة. وهو بلا شك يمتلك موهبة وقدرة على الكتابة القصصية الممتعة، وعلى فهم طبيعة القصة القصيرة التي تميل إلى تركيز اللحظة وتكثيف الأحداث لتكون في النهاية طلقة تطلقها بندقية مرة واحدة فتصيب الموضوع الذي يشغله. ومن المؤكد أن أسلوبه يمتاز بسلاسة العرض ووضوح القصد، وهو لا يغرق نفسه في تعقيدات أسلوبية، أو غموض تعبيري مصطنع».

بعض من أهم قصصه:

-صداقة

-الضربة

-يأتي الموت وتأتي الحياة

ومن الإمارات نأتي على ذكر اسم آخر هو الشاعر والروائي علي أبو الريش.

6 – عبد الله خليفة

يأتي عبد الله خليفة هنا ممثلًا عن البحرين وإن تحيرت بينه وبين فوزية الرشيد. عبد الله خليفة قاص آخر ربما لا يقل أهمية عن محمد المرّ، وقد قدم بحثًا عن تطور القصة القصيرة في البحرين بإحدى مؤتمرات اتحاد الكتاب العرب لدى مشاركته الأولى عام 1975، قبل أن يصبح عضوًا فاعلًا بها، وبالعديد من المؤتمرات الأدبية العربية.

«منذ سنة 1966 مارس عبـدالله خلــيفة كتابة القصة القصيرة بشكل مكثف وواسع أكثر من بقية الأعمال الأدبية والفكرية التي كان يمازجها مع هذا الإنتاج، حيث ترابطت لديه الكتابة بشتى أنواعها: مقالة، ودراسة، وقصة، ونقد. ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي قام بطبع نتاجه القصصي والروائي والفكري في دور النشر العربية المختلفة».

7 – جمال فايز

في العصر الحديث هناك أسماء لمعت بتقلدها دور الريادة في تطور القصة القصيرة لدى طرف الخليج المتأخر أدبيًّا عن النصف الآخر (السعودية والإمارات والكويت) في البحرين وقطر وعمان واليمن.

مثل عبد الله خليفة المذكور آنفا، وجمال فايز ها هنا ممثلًا عن قطر. ونتناول بقية الأسماء بالتفصيل في مقال لاحق لأن مساحة المقال لا تتيح ذلك هنا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد