كنت أبحث في تاريخ حوران مُنذ مدة، وأنا الذي ألفت فيها كتابًا بعنوان:«تاريخ حوران السياسي» ولي معرفة أعدها جيدة جدًا بتاريخ المنطقة، فإضافة للكتاب، كتبت فيها عشرات المقالات، وأملك من المخزون التاريخي للمنطقة مئات الصور والوثائق، واطلعت على كلام الرحالة ومن زاروها واستضيفوا عند أهلها، وبحث فيما قيل من الشعر عنها وعن أهلها، ومع ما قدمت لم أجد أشنع وأفظع مما كتبه الرحالة، حنا أبو راشد، بحق أهل حوران وقاطنيها في كتابه الذي أسماه «حوران الدامية» مما دفعني لتبيان المغالطات التي ذكرها الرحالة وما ورد من الطعن والقدح في طيات الكتاب.

حنا أبو راشد

هو رحالة لبناني ولد عام 1886 وتوفي عام 1974 قام برحلات عديدة وأصدر كتابين مهمين:«جبل الدروز» و«حوران الدامية» الذي سأتناول بعض ما جاء فيه في مقالتي هذه.

تخوين الحوارنية: في صفحة 11 وصفحة 12 يقول حنا أبو راشد:

– إن زعماء حوران لم تشهر السيف بوجه الدروز إلا بعد أن تعهدت الدولة العثمانية بمساعدتها.

– لم تحارب حوران فرنسا إلا بعد أن تعهدت لها الحكومة الشريفة بأنها ترجع لهم ما فقدته من الأراضي الواسعة التي احتلها الدروز، وعليه قامت بالثورة لعلمها بأنها إذا فازت على فرنسا فكأنها فازت على جيرانها الدروز.

في النقطة الأولى: غير صحيح أن الحورانيين في زمن الدولة العثمانية قد أشهروا سيوفهم في وجه الدروز معلنين الحرب عليهم، وجميع الحروب والنزاعات التي حدثت كانت بسبب تعدي الدروز على المناطق التي تجاورهم، وما ذكره الرحالة في صفحة 13 من مقالة خليل رفعت الحوراني، التي نشرها في جريدة المقتبس يوم حرب سامي باشا على الجبل، ما هي إلا حقيقة لما فعله الدروز من تعدي على قرى حوران، وقد ذكر المؤرخ محمد كرد علي:«غزا دروز حوران جيرانهم أهل قريتي معربة وغصم… فقتلوا 59 رجلًا وامرأة ونهبوا القسم الأكبر من قرى السهوة والجيزة.. فأرسلت عليهم الدولة..حملة سامي باشا» (2)

أما في النقطة الثانية: فالدعوى باطلة وسأذكر وجه واحدًا لبطلانها، وهذا أن ثورة سلطان باشا والدروز كانت في عام 1925 في حين أن الثورة الحورانية سبقتها بخمسة أعوام 1920، إذ استعدت حوران للقتال قبل دخول فرنسا إلى أرضها.

وفي صفحة 107 ذكر حنا أبو راشد نفسه موقف زعماء حوران من دعوة الفرنسيين لهم لمحاربة جيرانهم الدروز، وعلى رأسهم الشيخ مصطفى المقداد، والشيخ إسماعيل الحريري، ورفضهم الواضح، عام 1925م

الدرزي أكرم وأشجع من الحوراني؟!

في صفحة 212 من كتاب حوران الدامية، يقول حنا أبو راشد:

– الفقير من أبناء حوران يموت جوعًا والفقير الغريب في قرى جبل الدروز يعيش أبدًا لا فرق بين أن يكون مسيحيا أو مسلمًا أو إسرائيليًّا.

مع أن رحالة آخر أورد غير هذا القول ووصف الحورانيين بغير ذلك، فالرحالة بيركهارت (1784- 1817) الذي زار حوران ووصف أهلها؛ فيقول فيهم:«وكثيرًا ما ينحاز المسلمون إلي جانب أحد النصاري في المشاجرات إذا وجدوا أنه مظلوم، كما أن الطرفين يتزاورون
في الأعياد والمناسبات، ونساؤهم تسمر معًا على أبواب البيوت وجوانب الطرقات، وفي الحقيقة لم أرَ أي خلاف بين مسلم ونصراني خلال وجودي في حوران، بل على العكس، فقد شاهدت شجارًا حدث بين نصراني كاثوليكي، ونصراني يوناني، وقد تدخل المسلمون لفض الخلاف، كما أن أحد المسلمين قام بذبح خروف، ودعا الطرفين لعقد الصلح بينهما في بيته».(3)

ومثل هذا ما ورد عن أمير الحج عوض اللتيم المقداد (1894- 1946) ابن حوران وبُصرى الشام: روي عنه أنه «عندما بنى بيته جلب اثنين من نصارى لبنان، وكانا يعملان أيضًا عند غيره، ولم يدفع لهم البعض أجرتهم عن العمل، فشكوهم إلى الأمير عوض الذي أخبرهم أن يأتوا في اليوم التالي، وسيحضر حقهما من الناس، ولما قرر أحدهم أن يدفع لهما، أخبراه أنه قد دفع لهما، وأخذا حقهما من الأمير عوض، ليكتشف الناس بأنه كان يدفع من جيبه، والذي قال للشابين: هم إخوتي في الإسلام ولو كان معهم لدفعوا لكم، نحن المسلمون لا يضيع عندنا حق أحد.. ولا تزال بوابة داره قائمة لليوم، والتي كان يستقبل فيها حجاج بيت الله من كل مكان وفوق بوابة البيت رخامة أرَّخ عليها تاريخ البناء واسم صاحب الدار».(4)

وفي صفحة 214:

– مطلق درزي في جبل الدروز، لا يضع في مضيفته إلا جيد الحنطة، والحوراني لا يضع إلا من مخلوط الشعر والدرة.

– مضيفة الدرزي مفتحة الأبواب، عامرة بلحمها وسمنها وخدمها. ومضيفة الحوراني مقفلة، وإذا فتحت فبالعدس المسلوق أو «شم ولا تذوق» من قليل البرغل واللحم والسمن.

– وإذا وُجد زعيمًا في حوران يكرم الضيف، فلا يفي بواجب يقوم به أصغر مضيف في جبل الدروز.

-والخلاصة الدرزي يفوق الحوراني أيضًا بثلاث مزايا وهي: ذكاء – شجاعة -كرم

أما بيركهارت فيقول عن الحورانيين:«متساوون في نمط معيشتهم، فقيرهم وغنيهم، فهم متساوون في الملبس والمأكل والسكن، ولا يظهر غنيهم شيئًا من ثروته إلا إذا حل أحد الضيوف في بيته، فهو يحاول تقديم كل ما يقدر عليه للضيف.

أما الأديب الدمشقي علي الطنطاوي (1909- 1999) الذي زار حوران واستضافه أهل بصرى أسكي شام في رحلة الحج، فقد وصف أهلها بغير ما وصفهم به حنا: وبلغنا درعا… وهتفنا بآل المقداد في بصرى، وهم وجوهها وأعيانها نخبرهم بقدومنا وتوجهنا إلى بصرى. استقبلنا أهل بصرى بالأضواء والمشاعل والأهازيج، وكانت ليلة وصولنا كأنها ليلة عيد، خلت فيها البيوت، وسالت بأهلها الطرق، ونزلنا على قوم كرام، أرونا من ألوان الرعاية ما عجز عن شكره اللسان».(5)

خليل رفعت الحوراني (1876- 1953) وصف كرم أهل حوران فقال:«الحوارنة كلهم مكرمون للضيف، ففي كل دار مضيف لها، مفتوح للغريب والقريب من أبناء البشر في عامة قرى حوران».(6).. وأضاف أيضًا:«وليس فيها حمام ولا فندق لأن الحورانة عامة يضيفون بعضهم بعضًا، وفي كل دار من قرى حوران غرفة مخصصة للضيوف غريبًا كان أو حورانيًّا، ومن أي ملة أو قوم أو إقليم كان، فهم يضيفونه ويكرمونه حسب عادتهم، ولا يأخذون منه شيئا ولو قام عندهم أيام عديدة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

تحميل المزيد