نعانى يوميًا من التكدس الملحوظ داخل الشارع المصري بأطفال الشوارع، الذين تحولوا إلى ظاهرة سلبية، بمثابة وصمة العار على جبهة المجتمع المصري، وجمعيات حقوق الإنسان التي تَدعى هذا الاسم, ولكن دعنا نتوقف للحظة؛ ونسأل أنفسنا: من المسئول عن انتشار طفل الشارع بهذه الصورة، وأين كانت الحكومة من هذا؟ و أين ستكون بعد ذلك؟
قبل أن تجيب على هذا السؤال، دعنا نستعرض سويًا حادثة بمثابة شاهد العيان على أقل درجات الكرامة الإنسانية التى يعايشها الطفل المصري.
أثناء التجول بمدينة الزقازيق التابعة لمحافظة الشرقية أجبرنى على الوقوف منظرغريب، على غير العادة، ولعل هذا المنظر هو ما دفعني إلى الذهاب إلى هذا الطفل الذي ينام على حافة «الكوبري» المطل على البحر، وعندما اقتربت منه أكثر، لم أجد سوى طفل صغير يبلغ من العمر ما لا يتجاوز الخمس سنوات, ملابسه تكاد لا تستر شيئًا، بل إنها تفضحه أمام عامة الناس, تلاحظ طول وعرض الفتحات في قميصه وسرواله.
وعندما حاولت إيقاظه؛ خوفًا عليه من السقوط في البحر, رجف جسد الطفل في رعب ونهض مسرعًا يحاول الهرب، وكأنه اعتاد على هذا الفعل، ثم جمعتنى به محادثة أبرز ما يميزها سؤالي له:«مبتخفش من النوم كده لتقع في البحر؟!» فرد قائلًا بكل سذاجة: «وقعت مرتين قبل كده، وطلعوني», وهنا دفعني الفضول لسؤاله عن مسكنه :«بتنام فين؟»، الطفل قائلًا: «تحت أي عربية مركونة قدام أي بيت»، «نفسك في إيه؟»، «نفسي الناس إللي بتحرس الجامعة تسيبني في حالي علشان هما بيجوا كل يوم عاوزين يضربوني ومش عاوزيني أبيع مناديل في الجامعة». وهنا توقفت عن الكلام، ولم أستطع الحديث بعدها، و ترجلت بعيدًا مغادرًا المكان، فى حين عاد الطفل إلى نومه الذي كان عليه من قبل، خسارة!
نغمض أعيننا عن الواقع؛ حتى نقنع أنفسنا بما هو ليس واقع! المسئول الحقيقي عن طفل الشارع هو المجتمع بأكمله, المجتمع الذى انعدمت فيه القيم الإنسانية، حتى تفشت هذه الظاهرة في جميع شوارعه، ووصلت إلى أقصى انحدار في حق الطفل؟
نحن أمام أقصى حالات الإهمال الملحوظ في حق الطفل المصري الذي يحظى بأقل درجات الكرامة الإنسانية، وأقل حقوقه كطفل، له حق الرعاية والتعليم والصحة، كغيره من أمثال عمره. سوف يٌحاسب المجتمع بأكمله أمام الله عن هذا الطفل الذى بات يتضور جوعًا ومرضًا وظلمًا.
قال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا».
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست