بديهيًّا، عند سماعنا اسم بيرزيت، فسرعان ما يخطر في أذهاننا، جامعة بيرزيت، ذاك الصرح العلمي الشامخ والعريق، الذي لطالما كان وما زال قبلة للباحثين عن المعرفة بكل أشكالها، قبلة للمختلفين، للذين يبحثون عن التغيير، وعن خوض غمار التجارب بمختلف أنواعها، لأصحاب الجاهزية التامة، في تعزيز الأفكار الأكثر واقعية، التي من خلالها ينظر المرء إلى الأشياء، لقد جمعت الكل الفلسطيني من شتى أقطار الوطن، من الجليل حتى النقب، كانت موضع جدل لاندماج الثقافات المختلفة التي لاقت نفسها، تحت قاعدة قيمية فحواها: «احترام الرأي والرأي الآخر».
طلبة بيرزيت علامة فارقة في سياسة المواجهة
بحكم القرب الجغرافي بين الجامعة ومؤسسات الحكم واتخاذ القرار، يعد هذا الأمر معززًا قويًّا ومتينًا لصقل شخصيات الوافدين إليها وتشكيلها من جديد، وتكوين أفكارهم، وبناء وجهات نظرهم، كونهم أكثر عرضة من غيرهم بالاحتكاك في مؤسسات صنع القرار وتنفيذه، وهذا بفعل إقامتهم في رام الله «العاصمة السياسية»، قد أرى في تلك القضية واحدة من أهم القضايا التي تميزهم عن إخوتهم في مختلف الجامعات الفلسطينية.
إن المشهد المختلف الذي يظهر فيه طلبة جامعة بيرزيت بفعل بعض القضايا التي ذكرت، بدوره يحدد سبل المواجهة وطرائقها، مع أي خطر محدق من الممكن استشعاره أو حصوله، سواءً على صعيد التركيبة الاجتماعية والسياسية الداخلية وقضايا الرأي العام أيضًا، أم على صعيد المواجهة الرئيسية والأبرز مع المحتل، فتظهر تلك المواجهة على شكل مطالبة بأمر ما أو مستنكرة لأمر معين، أو رافضة لآخر، فقد اعتدنا على الدوام أن يضع الحراك الطلابي بصمة في تلك القضايا، إن لم يكن يتصدر المشهد كاملًا، فإن باحات الجامعة، وشوارع وميادين رام الله شاهدة على ذلك.
في سياق الحديث عن طبيعة المواجهة مع الاحتلال، فجميعنا يعلم أن جامعة بيرزيت هي ولّادة الشهداء، بداية من الشهيد شرف الطيبي عام 1984، الذي أشعل منارة كوكبة الشهداء الساطعة في سماء الجامعة، ونهاية بالشهيد عمر أبو غنام عام 2017، وما بين الأول والأخير، لقد كانت جامعة الشقاقي والعياش، وناصر عريقات، وصالح التلاحمة، وساجي درويش، والقائمة هنا تطول.
لم تشهد جغرافيا بيرزيت أيًّا من مراحل الفتور الأمني، فما بين الفينة والأخرى، يتعرض الجسم الطلابي لحملات مداهمة واعتقالات، اعتاد عليها جموع القاطنين في رام الله وضواحيها، لقد لاحقت كل الذين انتهجوا نهج الأحرار، الذين لم يستكينوا يومًا من ظلم الاحتلال وجبروته، ولم يحنهم بطش خفافيش الظلام، للذين راهنوا على أنفسهم ألا يكونوا إذا قبلوا الهوان. لقد كانوا أندادًا في وجه عنجهية الاحتلال، لقد أثبتوا، وما زالوا، للمحتل أن الحركة الطلابية ستبقى رائدة الفعل المقاوم، حتى تحرير الأرض والإنسان، ولن تزعزع عزائمها، أي خسارة وفقدان.
في ظل تلك الحملات المسعورة التي يمارسها الاحتلال بحق طلبة الجامعة، ظنًّا منهم بأنها من الممكن أن تكون رادعًا لصدحات حناجر الطلبة وفعلهم النضالي، ففي كل حملة اعتقالات يحاولوا إخماد عزائم الطلبة، فيتفاجأوا بأن هذه المنظومة حية لا تموت، ولا يمكن إخمادها، فيعي حينها المحتل أنه تمامًا كالتي نقضت غزلها ولم تنتفع به.
في كل صولة وجولة من المواجهة مع المحتل، هناك ثابتٌ وواقعٌ يقول: إن نبض الشارع الفلسطيني معنون بنضال طلبة بيرزيت، زنازين الاحتلال تشهد، وجيباتهم العسكرية التي تُطلى بالألوان الزاهية بشكل شبه يومي تشهد، حتى الطريق الواصل من بيرزيت إلى حاجز بيتين الاحتلالي «بيت أيل» شاهد على ذلك.
«أعرفتم كيف شكّلوا علامة فارقة؟!»
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست