ضرب فيروس كوفيد-19 قطاع التعليم العالمي ضربة موجعة، مثله مثل باقي القطاعات كقطاع الاقتصاد والصحة. لكن ما يُميز تأثير هذا الفيروس في القطاع التعليمي هو دفعه بقوة نحو الاعتماد على تكنولوجيات حديثة كان استخدامها يُعد ثانويًّا أو مساعدًا وليس بديلًا للنظام الدراسي الاعتيادي. إحدى هذه التكنولوجيات الحديثة هي التعليم الشامل عن بُعد. رغم كون التعليم عن بُعد من خلال شبكة الإنترنت قديم نسبيًّا فإنه إلى ما قبل جائحة كورونا كان يعد تعليمًا ثانويًّا يُستخدم في برامج أكاديمية معينة لإتاحة المحتوى التعليمي لمن لا يستطيعون الحضور للجامعات لأسباب جغرافية أو مادية. ورغم أهمية التعليم عن بُعد واستخدامه من قِبَل الكثير من الجامعات حول العالم، فإنه لم ولن يكون بديلًا للتعليم الجامعي الاعتيادي على الأقل في الظروف الطبيعية. لكن لسان حال الجامعات العالمية خلال جائحة كورونا يقول «أخوك مُرغم لا بَطل».

في العاشر من مارس (آذار) أرسلت جامعة متشجن بريدًا إلكترونيًّا يَدق ناقوس الخطر ويُصرِّح بأنه قد جرى إلغاء كافة الفصول الدراسية في مباني الجامعة وتحويل نظام الدراسة من النظام الاعتيادي إلى نظام الدراسة عن بُعد. ورغم كل التقدم التقني الذي تتمتع به جامعة متشجن فإن الأسابيع الأولى كانت كارثية. مشاكل تطبيقات الدراسة عن بُعد مثل برنامج «زووم» وبرنامج «بلوجينز» كانت عديدة ومتكررة، كما أن الأساتذة رغم تفانيهم وجهودهم الحثيثة لم تكن لديهم الخبرة الكافية في التعامل مع هذه المنصات، بالإضافة لغياب استراتيجية شاملة للتأقلم مع هذا الوضع الطارئ. كان الوضع أشبه بعملية ترقيعية بأقل الخسائر الممكنة يعلم الكل أنها ليست ناجحة ولا فعالة، ولكنها أحلى الأمرَّين فلا مكان لإيقاف العملية التعليمية في قاموس الجامعات.

بعد انتهاء الفصل الدراسي في شتاء 2020 ظَهَر للجامعات الأمريكية مدى هول الكارثة، فكل جامعة أعلنت بشكل منفرد خططها للعام المقبل. فبينما أعلنت بعضها الإغلاق الكامل لكل منشآتها التعليمية واستبدالها بشكل كلي بالتعليم عن بُعد لفصلي خريف 2020 وشتاء 2021، قررت بعض الجامعات فتح أبوابها للطلاب وتحويل جزء من الصفوف لمساق التعليم عن بُعد، بينما أتاحت مجال للتعليم الاعتيادي لبعض الصفوف الأخرى. ومع بداية فصل خريف 2020 تبيَّن حجم عزوف الطلاب عن العودة للجامعات، خصوصًا الدوليين منهم. إما بسبب الخوف من الفيروس وعدم الثقة بالإجراءات المُتَخَذة في هذه الجامعات لحماية الطلاب منه، وإما لعدم تقبل فكرة الدراسة في ظروف كالتي يعاني منها النظام التعليمي الجامعي حاليًا. ونتيجة لكل هذا بَدَت مباني وشوارع وأحرامِ الجامعات خاوية على عروشها.

يمكننا بوصفنا تربويين عكس مجموعة من الدروس والعبر التي واجهناها خلال انتشار هذا الفيروس. منها الإيجابي ومنها السلبي. فقبل كل شيء أثبتت هذه الجائحة أهمية التعليم واستحالة الاستغناء عنه حتى في أحلك الظروف؛ فهو المستقبل الذي يضمن استمرارية الحضارة ويحمي الأجيال القادمة. ثانيًا، سمحت لنا هذه الجائحة بالاطلاع على ثغرات النظم التعليمية التي نحن جزء منها، مثل غياب خطط استراتيجية لمواجهة مثل هذه الكوارث خصوصًا في ناحية «التقييم والقياس». ثالثًا، أدركنا أكثر من أي وقت مضى أن الطالب قابل للتأقلم مع المتغيرات؛ فالطلاب رغم كل الظروف استمروا بالحضور لصفوفهم عبر تطبيق «زووم» والتطبيقات الأخرى، وحافظوا على تقدمهم الأكاديمي في ظل هذا الوضع الحرج. وأخيرًا، سمحت لنا هذه الجائحة بمعرفة إمكانيات الجامعات وقدرتها على الدمج بين التعليم الاعتيادي التقليدي والتعليم عن بُعد؛ مما سيقود في المستقبل القريب لارتفاع نسبة البرامج الهجينة «هايبرد»، والتي ستعتمد بعض موادها على التعليم عن بُعد وبعضها على التعليم الاعتيادي.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد