إنه الفوهرر العبقري الفذ، وإن كانت عبقريته في الجانب السلبي (الشرير) حسب ما وصفها الأمريكي مايكل هارت في كتابه العظماء المائة، والذي وضع فيه هتلر في المرتبة السادسة والثلاثين بين مئة شخصية عظيمة كان لها من التأثير في حياتها ما لها بعد مماتها. لو بحثنا عن الترجمة العربية لمصطلح الفوهرر لوجدناه يعني المشرع، والمشرع وهو الشخص المفكر والمنفذ، وهما صفتان نادرًا ما اجتمعتا في شخص واحد حيث أن التفكير والفلسفة مهمة لا يقوى عليها سوى العقول الفذة التي تولد الأفكار التي تقود سير المجتمعات، وتنفيذ هذه الأفكار هو المهمة الشاقة التي يسعى خلفها الساسة والحكام ورواد المجتمع؛ هو بحد ذاته أمر جلل وتحد فوق القدرات العادية. في كتابه «كفاحي» سيطرت على هتلر ثلاثة أفكار رئيسية كان يطرحها في كل صفحة صراحة أو ضمنًا. في هذا المقال سنتعرف على ماهية هذه الأفكار وكيف شكلت الفترة التي تبعت وصول النازيين إلى الحكم في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين.

العرق والدولة

مسألة العرق والأجناس سيطرت على عقل هتلر إلى درجة التعصب فمن خلالها – حسب وجهة نظره – يمكن تبرير مفهوم الدولة، ولكن كيف ذلك؟ يقدم لنا أساتذة السياسة ثلاث نظريات لتبرير مفهوم الدولة.

– النظرية الأولى: الدولة ليست إلا تجمعًا من أناس بمحض إرادتهم وخضوعهم لسلطة حكومة من الحكومات.
إن أصحاب هذه النظرية يؤلفون الكثرة. فهم ينادون بمبدأ الشرعية ولا يقيمون أي اعتبار للشعب، فالدولة حسب وجهة نظرهم لم توجد لخدمة الناس، ولذلك على الناس أن يعبدوا هذه السلطة التي ينفذها أناس مثلهم. وقد كان مبررهم لوجود سلطة الدولة هو النظام والاستقرار.

– النظرية الثانية: وجود الدولة يخضع لاستيفاء شروط معينة.
بعكس المؤمنين بالنظرية الأولى، يرى أنصار النظرية الثانية أن سلطة الدولة ليست المبرر الوحيد لوجودها، إذ يجب عليها أن توفر الازدهار والرفاهية. وخلاصة القول في هذه النظرية أن أصحاب هذه النظرية يريدون من الدولة أن تعطي الحياة الاقتصادية شكلًا يتلاءم مع مصلحة الفرد، فالدولة قبل كل شيء هي مؤسسة اقتصادية كبرى.

– النظرية الثالثة: الدولة هي وسيلة لبلوغ أهداف استعمارية أو توسعية غير واضحة المعالم.
دولة شعبية تضم عناصر مختلفة تجمع ما بينها لغة مشتركة، باعتبار أن اللغة المشتركة تساعد في توجيه الفكرة القومية. إنجلترا وفرنسا كانتا مثالًا صريحًا على أنصار هذه النظرية.

ولكن في الأيديولوجيا النازية تعتبر هذه المبررات هامشية ولا تساهم في تعزيز وتقوية الفكرة القومية القائمة على صفاء العرق وسمو الجنس والتسلسل العنصري بين هؤلاء. إذ يجب أن يكون المبرر الرئيسي لوجود الدولة هو حفاظها على دم الشعب نقيًا طاهرًا بعيدًا عن الأجناس الأخرى، وفي هذا المجال كان للنازيين إجراءات وسياسات مشددة. العرق هو من يعطي الدولة الشرعية عند الشعب ويحفظ وجودها من التدهور والاندثار.

التوسع

لا يمكن لدولة أن تصبح عظيمة دون أن تملك المدى الحيوي الذي يغذي قدرتها على النمو والتطور والعظمة. لك أن تنظر إلى خريطة العالم وتتساءل ما هي الدول العظيمة بينها؟ لن تجد صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال؛ فخارطة العالم تضم ثلاث دول تمكنت في الأرض بسبب هذه الميزة الجغرافية. روسيا وأميركا والصين الدول الثلاث الأكبر مساحة في العالم وأقوى وأعظم الدول الموجودة، لم تكن فكرة التوسعة مجال نقاش عند هتلر، إذ إنها الفكرة التي جرت على العالم حربًا راح ضحيتها ستون مليون إنسان. لم يتقبل هتلر فكرة التوسع على الطريقة الإنجليزية والفرنسية إذ رأى فيها هدرًا للموارد وضعفًا سيودي بالإستراتيجية الطامحة إلى وضع ألمانيا بين مصاف الدول العظيمة، وبناءً على ذلك قرر التوسع في أوروبا نفسها حيث يمكن لألمانيا اكتساب مساحات في العمق الأوروبي ممكنة إياها من الظهور على الخارطة بشكل يضاهي عظمة روسيا والصين وأميركا.

اليهود

«أما الرشوة في دوائر الدولة فكانت متفشية تفشي اليهود، فالرشوة واليهود صنوان لا يفترقان».

«لاحظت دورهم في الصحافة، الفن، الأدب، المسرح. ولا أدري هل يوجد أي نوع من الفساد الأخلاقي والثقافي بدون أن يكون أحدهم وراءه».

«تسعة أعشار القذارات في ميداني الأدب والمسرح أنتجها الشعب المختار، وهم لا يزيدون عن 1% من السكان».

«لقد أثبتت لي الأيام أن ما من عمل مخالف للأخلاق وما من جريمة بحق المجتمع إلا ولليهود يد فيها».

«مما زاد نقمتي على اليهود تكالبهم على المال بجميع السبل الملتوية، ولقد شعرت بالقرف حين اكتشفت أن اليهودي، هذا المخلوق الوديع، هو الذي يستثمر البغاء السري والعلني ويحوله إلى تجارة رابحة».

«إن إتقان الكذب هو فن يجيده اليهود، لأن كيانه من أساسه يقوم على كذبة ضخمة ألا وهي زعمهم أنهم طائفة دينية، مع أنهم في الواقع جنس وأي جنس؟».

ستجد بين دفتي الكتاب العديد والعديد من مثل هذه الاقتباسات التي يعبر فيها هتلر عن مقته لليهود، مقت برره هتلر من مشاهدته الواضحة لتصرفاتهم بل واحتكاكه بهم وذلك في سنين شبابه حيث وجدهم جنسًا لا يعير أدنى اهتمام للنظافة، يعبد المادة، يكره ألمانيا، يلوثون الفن والأدب والثقافة، بل وما أن سنحت لهم الفرصة حتى طعنوا ألمانيا في الظهر وذلك في الحرب العالمية الأولى على حد تعبيره. فكرة جعلت من إخراج اليهود من ألمانيا مسألة وقت لا أكثر، وهو ما تم بالفعل مع وصول النازيين إلى الحكم، حيث لم يتورعوا عن استخدام الدعاية والتحريض لتقزيم اليهود لعزلهم عن المجتمع تمهيدًا للتخلص منهم بالطرق والسبل المتاحة.

لقد كانت هذه هي أهم ثلاثة أفكار تناولها وشدد عليها الزعيم النازي في كتابه «كفاحي»، ولكن هذا لا يمنع وجود أفكار أخرى تستحق الانتباه؛ كتشديده على أهمية القراءة في الحياة، وحرصه على تربية الأطفال تربية قويمة يكون فيها التركيز على جسم كمثله في العقل تماشيًا مع القاعدة التي تقول بأن العقل السليم في الجسم السليم. وأهمية الإعلام للسلطة الحاكمة وكيفية توجيه هذه المؤسسة لتخدم السلطة على أكمل وجه في سعيها لتحقيق أهدافها، والطرق المثلى لمحاربة العقائد الفاسدة التي تهدد المجتمع.

إن المقال الذي بين أيدينا هو محاولة لتسليط الضوء على أحد أهم الكتب التي وضعت من قبل رجل كان له وزنه في التاريخ المعاصر. وهذا المقال لا يغني عن قراءة الكتاب قراءة متمعنة لفهم الخلفيات والحيثيات التي جعلت شعبًا متمدنًا ومتحضرًا كالشعب الألماني ينقاد دون أدنى وعي وراء هذا الشخص، فلو قرأ الحلفاء هذا الكتاب لما كان ما كان.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

هتلر
عرض التعليقات
تحميل المزيد