في تصريحات للمستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات كشف فيه عن أن حجم الفساد في خلال ثلاث سنوات تخطى 600 مليار جنيه، وأن الدراسات والتقارير الموثقة بالأرقام تفيد بأن التكلفة الحقيقية قد تخطت ذلك الرقم، فتم عزله من منصبه، وأصدرت محكمة جنح القاهرة الجديدة، حكما بحبس جنينة، لمدة عام وكفالة 10 آلاف جنيه لوقف تنفيذ الحكم، وكذلك تغريمه 20 ألف جنيه، في قضية نشر أخبار كاذبة، عن حجم الفساد بمصر.

أعتقد بذلك النظام أنه قد أغلق كل الأبواب التي قد تفضح حجم الفساد، قبل أن يخرج الفنان وصاحب شركة أملاك محمد علي اتهم فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بإهدار المال العام من أجل بناء قصور رئاسية ومشروعات بدون عائد اقتصادي، في سلسلة من الفيديوهات؛ الأمر الذي دفع الرئيس إلى عقد مؤتمر للشباب للرد على اتهامات محمد علي، والذي اعترف بصحتها وأنه يقوم بالفعل بإنشاء قصور رئاسية، لتتغير طريقته في الكلام من «إحنا فقرا أوي، إحنا أمة عوز» إلى «أيوه أنا ببني قصور رئاسية وهبني قصور رئاسية».

الأمر الذي زاد من حالة الغضب في الشارع المصري واستجابة لدعوة محمد علي للتظاهر في 20 سبتمبر (أيلول)، خرجت تظاهرات في مناطق مختلفة في أنحاء البلاد، ثم عادت مرة أخرى في الجمعة التالية 27 سبتمبر، هاجم الممثلون والإعلاميون تلك التظاهرات واتهموا المتظاهرين بالانضمام لجماعات إرهابية، وقاموا بحشد أعداد بالفلوس والوجبات في منصة رابعة وإقامة حفلات وكل ذلك تحت تأمين الشرطة، في الوقت الذي تم غلق كل الطرق المؤدية لميدان التحرير، (صورة1-1).

حاول النظام أن يستجمع نفسه بعد تلك التظاهرات، وقام بحملة اعتقالات شملت جميع فئات الشعب – من شارك ومن لم يشارك، مجرد الاشتباه سببًا كافيًا للاعتقال – من أطفال، وشباب وأساتذة جامعات مثل حازم حسني وحسن نافعة، وحتى من هم تحت المراقبة – «سجن نص اليوم» – مثل علاء عبد الفتاح، وإلقاء القبض على المحامين وهم داخل النيابة، حتى وصل الأمر إلى تفتيش الهواتف المحمولة وإعتقال من يحمل على هاتفه صورة لمحمد علي أو على حسابه على موقع «فيسبوك» بوست معارض للنظام حتى وصل عدد المعتقلين أكثر من 20 ألف شخص؛ وفي محاولة لتهدئة الوضع قرر الرئيس إعادة مليون و800 ألف إلى التموين، وخفض أسعار البنزين 25 قرشًا، والذي جاء بالتزامن مع انخفاض سعر النفط – واعتبر ذلك كإنجاز جديد – في قرارات أقرب إلى الهزلية منها إلى الجدية في التعامل مع الأوضاع الاجتماعية الراهنة.

قد تكون موجة 20 سبتمبر هدأت، ولكنها لم تنته، ومن المهم تذكر الثورة الروسية 1905 ضد القيصر والتي أطلق عليها لينين لقب «البروفة العظمى»، فقد بدأت بمطالبات للعمال بتحسين أوضاعهم المعيشية، وتم قمعها حيث قتل وجرح الآلاف من المتظاهرين فكانت نواة الإضرابات التى اجتاحت روسيا حتى تم قمعها تمامًا في ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام، فرغم عدم نجاحها في تحقيق المطالب التى تنادي بها إلا أنها استطاعت إنتاج «المجالس العمالية (السوفيت)» التى مكنت البلاشفة من قيادة الثورة البلشفية 1917 إلى النصر، وهو الأمر الذي افتقرت إليه تظاهرات 20 سبتمبر، الأمر الذي تسبب في عشوائية التحركات وسرعة القضاء عليها وعدم القدرة على تنظيم إضراب عمالي.

سنظل ننادي بالحرية والعدالة الاجتماعية ومجتمع يقبل الجميع بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم؛ الأيام دول ومهما بذل النظام من جهد في القضاء على شباب يناير، فسيخلفهم جيل يؤمن بهم، ويعتنق معتقداتهم في الإيمان بالعدل والحرية، وأن الاستبداد حتمًا له نهاية، حتى ذلك الحين سيبقى صوتنا ينادي بحرية المعتقلين، ومصرية تيران وصنافير.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد