سجل العقد الأخير من الزمن، أكبر تصاعد في أسعار الخروب في السوق العالمية، وذلك راجع إلى تصاعد استهلاك مشتقاته من طرف المصابين بأمراض عدة، مثل «السكري» و«الكوليسترول» و«السيلياك»، وكذلك من طرف الأصحاء لما فيه من فوائد غذائية ودوائية كشفت عنها الدراسات الحديثة، علاوة على استعماله في عديد الصناعات التجميلية. وعلى الرغم من أن الدول العربية هي مواطن الخروب، وأن بعض هذه الدول تصدرت قوائم تصديره على شكله الخام، إلا أن ضعف قدرتها التصنيعية، جعلتها تخسر فرصة استغلال هذا المورد الاقتصادي بشكل تام. على خلاف الدول المصنعة، حيث إنها تستورد الخروب الخام بشراهة، لتحويله إلى منتجات نهائية موجهة للتصدير، ما يدر عليها أرباحًا ضخمة.
حجم التبادلات العالمية للخروب
حسب تقرير نشرته مجلة التجارة العالمية، فإن قيمة تبادلات الخروب الخام لسنة 2018 قد بلغت 111 مليون دولار، بسعر 844 دولار للطن الواحد. وشهدت الفترة من 2012 إلى 2018 أكبر تسارع في أسعار هذا الأخير. ونقلت نفس المجلة تقريرًا نشرته «إنداكس-بوكس»، جاء فيه، أن أكثر البلدان استهلاكًا للخروب للعام 2018، هي البرتغال بكمية 38 ألف طن، وتليها إيطاليا بكمية 34 ألف طن ثم تركيا بكمية 14 ألف طن، و60% مقسمة على باقي دول العالم، ويرتقب بلوغ استهلاك الخروب العالمي إلى 152 ألف طن بنهاية سنة 2025.
أما عن الإنتاج، فجاء في نفس التقرير، أن البرتغال كان أكبر منتج للخروب بكمية بلغت 43 ألف طن لنفس السنة، تليه إيطاليا بكمية 29 ألف طن، ثم إسبانيا بكمية 23 ألف طن، بمجموع 58% من الإنتاج العالمي للخروب، كما تلت هذه الدول الثلاتة، دول أخرى بإنتاج معتبر ، من بينها دول عربية وهي المغرب والجزائر، بالإضافة إلى تركيا واليونان بمجموع قدره 35% بالمئة من الإنتاج العالمي للخروب.
ما السبب وراء تسارع الطلب العالمي على الخروب؟ الغذاء الدواء
حسب دراسات حديثة ، فإن الخروب يصنف من الأغذية «الخالية من الغلوتين»، حيث يمنع مرضى «السيلياك»، من تناول كل ما يحتوي على هذه المادة مثل القمح والشعير. وتعد الأغذية المخصصة لهؤلاء المرضى مكلفة جدًا. ما يجعل الأغذية المصنوعة من الخروب مثل خبز الخروب؛ كعك الخروب؛ وشراب ودبس الخروب، بمثابة بدائل للأغذية التي غابت عن موائد هؤلاء المرضى. بالإضافة إلى أنه يحميهم من الإصابة بعدة أمراض ناتجة عن سوء التغذية مثل فقر الدم وهشاشة العضام، لاحتوائه على نسب عالية من المواد الأساسية التي يحتاجها الجسم، مثل البروتينات، الفيتامينات، المعادن، ومستوى «عال» من الألياف التي تنظم عملية الهضم وتخفض معدلات الكوليسترول والسكر في الدم. بالإضافة إلى مضادات أكسدة قوية، وهي مواد تقي من السرطان.
كما يخلو أيضًا من مادة «الكافيين» المسببة للإدمان عليها، وضغط الدم، وعدة مشاكل صحية أخرى. لذلك فإن قهوة الخروب تعد بديلًا صحيًا لقهوة البن. علاوة على احتوائه على نسب جد متدنية من الدهون مقارنة بالكاكاو، فتعتبر شوكولا الخروب بديلًا صحيا لتلك المصنوعة من الكاكاو لتجنب الإصابة بالسمنة والكوليسترول.
إمكانات الوطن العربي في إنتاج الخروب ومدى استغلاله لهذا المورد
من مميزات شجرة الخروب، التكيف مع البيئة الصحراوية الحارة والجافة، وتحمل درجات الحرارة المتدنية إلى حد التجمد. وعلى خلاف أشجار الفواكه، فشجرة الخروب لا تحتاج إلى رعاية الإنسان، وتستطيع العيش في الأراضي المهملة والتي لا تسقى. فضلا عن أن جذورها تحمي التربة من الانجرافات. كل هذا، جعلها تنتشر وبكثرة في غالب أنحاء الوطن العربي على مختلف مناخاته وبيئاته.
تصدرت المغرب قائمة تصدير الخروب للعام 2018، حيث بلغت مداخيلها من الخروب 6.7 مليون دولار، وحصدت الجزائر المرتبة ثالثة عالميًا بمداخيل بقيمة 4.4 مليون دولار، كما جاءت دول عربية أخرى في أعلى القائمة مثل لبنان.
نظرًا لتزايد الطلب العالمي على منتجات الخروب، فإن الدول الصناعية مثل ألمانيا، تستورد الخروب الخام بشراهة لتحويله إلى منتجات نهائية موجهة للاستهلاك مثل أغذية الحمية الخالية من «الغلوتين»، قهوة الخروب، دقيق الخروب، شوكولاتة الخروب الصحية، خبز وكعك الخروب، بالإضافة إلى صناعات دوائية وتجميلية أخرى. والفرق بين سعر الخروب الخام المستورد، وسعر المنتجات المصنعة منه، والمصدرة إلى جميع أنحاء العالم، يدر عائدات معتبرة في خزائن هذه الدول الصناعية.
وعلى الرغم من تصدر دول عربية قائمة البلدان المصدرة للخروب الخام، إلا أن الأرباح التي تجنيها هذه الدول، والتي تقل عن 10 مليون دولار مجتمعة، تعد قليلة جدا مقارنة مع الأرباح التي تجنيها الدول الصناعية من تحويل الخروب وتصدير مشتقاته. كما أن الخروب المستورد على شكله الخام بأسعار متدنية من دول عربية، يعاد تصديره لها على شكل منتجات نهائية، نظرًا لضعف القدرة الصناعية لهذه الدول العربية. ما يشكل استنزافًا لاقتصاداتها، لصالح الدول المصنعة.
إلا أنه في العالم العربي، بدأت بوادر تحويل مادة الخروب إلى منتجات نهائية على غرار شركة «بوبلنزة» الجزائرية، المصنفة ثاني أكبر شركة مصدرة لمنتوج مسحوق الخروب في العالم، والحاصلة على جائزة «أحسن مؤسسة جزائرية للتصدير خارج المحروقات لسنة 2017». وأفاد رئيس الشركة، أنها تستورد الخروب الخام حتى من خارج الجزائر بغرض تحويله إلى مسحوق الخروب الذي يعد بديلًا لمسحوق الكاكاو، ثم إعادة تصديره إلى 35 دولة عبر العالم، غازية بذلك أسواق خمسة قارات.
وفرة الخروب في الوطن العربي لا تعني عدم عرضته لخطر الاندثار، ودولة الجزائر خير مثال عن ذلك. حيث بلغت صادراتها من الخروب في العام 1962 حوالي 35 ألف طن، وانخفضت إلى 4 آلاف طن في العام 2020، وفق «الجمعية الوطنية لتطوير قطاع الخروب». وعلل المختصون هذا الانخفاض الهائل بعزوف الفلاحين عن الاهتمام بزراعة الخروب والتوجه إلى أشجار أخرى مثل الزيتون وأشجار الفواكه، بالإضافة إلى عوامل أخرى، على غرار الحرائق التي انتهكت غابات الجزائر خلال العقود الفارطة، والاستغلال الجائر لخشب أشجار الخروب.
وعليه، فإن فرض سياسات تضبط استغلال شجرة الخروب، ونشر ثقافة الاستدامة البيئية بين مستغلي ثمار وأخشاب هذه الشجرة، وتعزيز تجدد غابات الخروب بحملات تشجير سنوية، باتت ضرورة حتمية للمحافضة على هذه الثروة الاقتصادية في الوطن العربي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست