ظاهرة التمييز العنصري في المجتمع المصري بين أبناء الشعب الواحد، ظاهرة قديمة قدم المصريين القدماء، بما يعني أننا دائمًا أمام دولة السادة والعبيد، التي لا تنتهي ولا تستقيم مع تغيير الأنظمة، وأقصد هنا التمييز بمختلف أنواعه، بداية من التمييز الديني والطبقي والوظائفي والعائلي… إلخ.
وتقسيم المجتمع لشرائح، بحسب ما يرتكن إليه الشخص أو عائلته، من قوة ونفوذ في المجتمع ومؤسسات الدولة، بما يشبه دولة المماليك في السابق، التمييز الذي نحن أمامه تتوارثه الأجيال، السادة هم السادة بحكم توريث المناصب أو شرائها بالمال والنفوذ، والعبيد هم العبيد بحكم توارثهم الطبقي الذي دائمًا ما يكون عائقًا أمامهم حتى لو تفوقوا علميًّا، ومثال لذلك، عندما اصطدم أكثر من 138 شابًا بأن أصولهم سبب تعاستهم، عندما تقدموا للتعيين في النيابة ليتم اسبتعادهم فيما بعد رغم تفوقهم وحصولهم على أعلى الدرجات، بحجة “أن أولياء أمورهم من أصحاب المؤهلات المتوسطة”، كأحد أنواع التمييز وأقبحها على الإطلاق، ومر هذا الأمر مرور الكرام دون تدخل من رئيس الجمهورية، ولم ينبس ببنت شفة في هذا الشأن رغم الصلاحية التي كفلها له القانون.
رابط تعليقات المذيع يوسف الحسيني المؤيد للنظام على استبعاد الغلابة من تعيينات النيابة:
السادة والعبيد بالمفهوم الجاهلي!
وسبق لرئيس نادي القضاة الحالي أحمد الزند أن صرح في مداخلة لقناة الفراعين العكاشية أننا بتاريخ 12 يناير 2014 “سنظل نحن السادة وغيرنا هم العبيد” يقصد العاملين في المؤسسة القضائية، رغم أن الدستور ساوى بين المصريين وهو ورفاقه هم من يطبقون القانون، وتقول المادة 53 من الدستور المصري: “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر”. وهنا يتم تغييب الدستور تمامًا بما يتسق وهوى المسؤولين عن تطبيق مواده، ليعكس كل هذا بأننا لسنا أمام دولة مؤسسات، بل أمام تركة يتم توزيعها بحسب مزاج من يتبوأ أرفع المناصب، وقد يمكن تسمية ذلك بأنه “التمييز الذي يرجعنا لعصور الجاهلية”.
رابط تصريحات أحمد الزند:
الصدام الدائم بسبب النرجسية
واتساقًا لما سبق فنحن أمام دولة تنقسم لشرائح تتحكم في مفاصلها بشكل واضح، 3 أذرع هي: “الجيش- القضاء- الشرطة”، وهذه الأذرع الثلاثة رسخت من وجودها على مدار 3 أو 4 أجيال ماضية منذ منتصف القرن الماضي بتوريث المناصب الرفيعة للأبناء والأقارب والمحاسيب، لتكون مصر الدولة الوحيدة التي تشهد مثل هذا التمييز.
فمن يتبوأ أي منصب في هذه المؤسسات الثلاثة، يرى أنه بالفعل “رجل فريد” لا يجوز المساس به أو بأي من ذويه إذا مارس أي فعل يخالف القانون، ويرى أنه فوق المحاسبة حتى لو أخطأ. ولعل قضية الضابط طيار في المنوفية مع أمين الشرطة لمثال واضح على ذلك، فأمين الشرطة مارس سلطاته وهذا لم يرق للضابط فكانت الأزمة بأن حاصرت قوات من الجيش مركز الشرطة، في تحدٍ صارخ للقانون، وتجسيد حي لدولة الهمجية والممارسات الفردية النرجسية، ولعبة القط والفأر بين الطرفين، والطريف أن المنتمين للشرطة هتفوا “يسقط يسقط حكم العسكر” قابله هتاف من أفراد الجيش “الداخلية بلطجية”، وهو هتاف له مدلوله الواضح بأن الشعب عندما يعلو صوته بهذه الهتافات فإنه محق بالفعل.
وقد يقول قائل إذا كان أهم مؤسستين في الدولة فعلًا كذلك، فما بالك لو وقع أحد أفراد الشعب العاديين من “العبيد” بين براثن الضابط الطيار أو أمين الشرطة، ماذا سيكون مصيره؟ وفي ذات السياق وفي نفس أسبوع وقوع الصدام الجيشي الشرطي، ألقى ضابط شرطة القبض على وكيل نيابة يمارس الفعل الفاضح مع فتاة في بداية طريق المنصورة المتفرع من الطريق الزراعي (مصر- إسكندرية) في سيارته التي لا تحمل لوحة أرقام، ليحوله الضابط إلى النيابة وكادت أن تقع أزمة بين القضاء والشرطة، ليتم الإفراج عن وكيل النيابة دون قيد أو شرط على الرغم من ارتكابه جريمتين الأولى “فعل فاضح”، والثانية “قيادة سيارة بدون لوحة أرقام” علاوة على مقاومته للسلطات كجريمة ثالثة.
ما هو الدرس المستفاد؟
لكن ما هو الدرس المستفاد من الواقعتين؟
ببساطة أن ضابط الجيش يرى أنه أفضل من ضابط الشرطة والعكس، والقاضي يرى أنه أفضل منهما سويًا، والثلاثي يرون أنهم على رؤوس هذا الشعب ولا يجوز الاقتراب منهم أو المساس بهم، والنتيجة أننا نعيش في دولة السادة والعبيد بشكل واضح.
بل إن أي من الوزارء في الدولة أو أي شخص يتولى منصبًا من خارج هذه المؤسسات الثلاثة، لا يتمتع بذات الحقوق وقد يكون عرضة للاضطهاد لو تعدى حدوده، والأمثلة كثيرة، على ذلك فكم من حقوق ضاعت بسبب النفوذ ومفهوم دولة السادة والعبيد “وأنت مش عارف أنا مين؟ ولا أنا أبقى ابن مين؟”.. وبين هذا وذاك وتلك ضاعت دولة المؤسسات والقانون، ولم يتطرق أي من رؤساء مصر السابقين لمثل هذه الممارسات ولم يوليها أي اهتمام، لتستمر دولة التمييز العنصري بين أفراد الشعب الواحد، ليستمر المجتمع في تدني مستوى المعيشة، وتباطؤ النشاط الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة في وسط الشباب، وتفشي الفساد والجريمة، فضلًا عن انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان والحريات العامة، والأسباب واضحة كل طرف يريد أن يبقي على مكتسباته، لا يهم أن يكون هناك تطور أو تقدم لهذا البلد، أو يرتفع المستوى المعيشي لشعبها، طالما يجد ما يتمناه من مال وجاه ونفوذ وأنه فوق رؤوس الأشهاد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست