من الأمور الغامضة والمثيرة، ومن المصطلحات التي تتشبع بالإثارة مصطلح غسيل الدماغ أو غسيل المخ، وهو مصطلح يتم استخدامه في مجالات كثيرة وفي نواحي عدة من مناحي الحياة، والكثير منا لا يفطن لتلك العملية التي يمكن أن يكون هو ذاته ضحية عملية غسيل الدماغ، بل يتعدى الأمر كل ذلك أن علمنا أن عملية غسيل الدماغ تتم على نطاق واسع جدًّا وهو المستوى الجمعي.

فما هو غسيل الدماغ؟

يتم تعريف غسيل الدماغ: «بأنه هو استخدام أي طريقة للتحكم في فكر شخص واتجاهاته دون رغبة أو إرادة منه».

وقد استخدمت كلمة «غسيل مخ» لأول مرة بواسطة الصحفي الأمريكي إدوارد هنتر في ترجمته للكلمة الصينية «هسي تاو» المستخدمة للتعبير عن النظرية الصينية «إصلاح الفكر»، أو إعادة التشكيل الأيديولوجي في مجال الـ«سزو هسينج كاي تساو» أي برنامج التثقيف السياسي الذي يقوم أساسًا على أن كل الناس الذين لم يُثقفوا في المجتمع الشيوعي لا بد أن يكون لديهم اتجاهات ومعتقدات بورجوازية، ومن ثم يجب إعادة تثقيفهم قبل أن يحتلوا مكانهم في المجتمع الشيوعي.

وتعتبر الحرب الكورية من أهم الحقول التي استعملت فيها عمليات غسيل الدماغ؛ حيث تم استخدامها على الأسرى الأمريكان لتغيير فكرهم واتجاهاتهم الأيدولوجية، وقد تعدى الأمر إلى أن يتبنى بعض هؤلاء الجنود الأسرى عند عودتهم إلى ديارهم التنظير والترويج للأفكار الشيوعية.

وقد كانت عمليات غسيل الدماغ وما تزال تستخدم في نطاق الاستجواب والحصول على المعلومات وتغيير الأيدولوجيات، فيتم استجواب الأسرى والمسجونين وإخضاعهم لبرنامج دقيق لهدم المعنويات والحصول على الاعترافات المرادة منهم، ومن الطرق التي تتم لعمل غسيل دماغ أو غسيل المخ الآتي:
1- عزل الأسير أو المسجون في زنزانه أو مكان ما بمفرده، وذلك لفترة طويلة حتى تستنفز قواه المعنوية وتعتبر تلك الخطوة بداية أولى، حيث إن الإنسان هو كائن اجتماعي بطبعه.

2- إخضاع الفرد لعملية إذلال بدني وعنف جسدي من ضرب مبرح في أماكن مختلفة من الجسم، ويتم الضرب على فترات متباعدة.

3- التجويع المدروس الذي لا يصل إلى حد الموت والمنع من الشرب؛ بل يتعدى الأمر إلى أن يتم الإذلال النفسي والبدني الذي يتعدى إلى الاعتداء الجنسي وعلى الملأ لكي يتم الإذلال التام للفرد.

4- الإيحاء النفسي: وهو إخضاع المسجون للأخبار السيئة وإشعاره بأنه لا يوجد أحد من أفرد أسرته أو إن كان أسيرًا يتم إيهامه بأن دولته قد تخلت عنه وقد وصل الأمر ببعض المسجونين والأسرى عند تعرضه لهذا النوع إلى إصابته بالإحباط التام، والمحاولة المستمرة للانتحار.

وعند تلك المرحلة يكون المسجون أو الأسير قد انهارت معنوياته، وأصبح جاهزًا لعملية الاعتراف وتغيير الفكر، حيث يكون قد كفر بكل المبادئ والقيم التي تربى عليها، وأصبح فردًا يسهل تشكيل دماغه وبث الفكر المراد زرعه بمخه وعقله.

كانت تلك هي نماذج من عمليات غسيل الدماغ التقليدية التي كان يخضع لها الأسرى والمسجونون، وما زالت بعض النظم الشمولية تستخدمها لكبح جماح المعارضين والمسجونين السياسيين، ونأتي الآن إلى استخدام عملية غسيل الدماغ في ثوبها الحديث.

تعتبر الدعاية والإعلام هي الثوب الحديث الذي يتماشى مع الحداثة، وتعتبر الدعاية والإعلام أكبر عملية غسيل دماغ يتم مزاولتها على المستوى الجماهيري وعلى مستوى الأنظمة والكيانات الكبرى، ويتم تعريف الدعاية والإعلام على أنها: «استخدام الأساليب المختلفة والكلمات والترويج لها لإحداث تغيير في سلوك الجماهير».

والدعاية والإعلام من أهم أدواتها الإيحاء ومخاطبة العواطف ودغدغتها؛ حيث إن المخاطب الأساسي هو العاطفة في الجانب الإنساني، ومن أهم طرق الدعاية هو كما ذكرنا مخاطبة الجانب العاطفي في النفس البشرية مع تكرار المحتوى الدعائي أكثر من مرة لكي يتم ترسيخ المحتوى في ذهن المتلقي، وهناك قول -لا أتذكر القائل- يقول: «كرر كرر حتى يصبح مقررًا».

وتلعب النظم الشمولية والاستبدادية على حبل المشاعر ومخاطبة العاطفة وإثارتها، وكلنا يذكر خطاب الرئيس المخلوع «محمد حسني مبارك» والذي دغدغ فيه مشاعر المصريين، وكان الخطاب منمقًا ويثير العاطفة حتى أن بعض الأهالي شجبوا الثوار، بل إن بعض الثوار قد كان على وشك أن يغير فكره ويراجع نفسه لولا موقعة الجمل التي أفرغت الخطاب من مضمونه.

وسوف نكمل بمشيئة الله تعالى الجزء الثاني من المقال لاحقًا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

غسيل الدماغ
عرض التعليقات
تحميل المزيد