بعد حوالي ثلاثة عقود من استقلالها عانت الصومال فيه حروبًا شرسة، متسلسلة ومتنوعة؛ بعضها يتصف بطابع قبلي وسياسي، والآخر بطابع فكري وديني، فدمرت الحروب مواقعها الأثرية ومعالمها التاريخية، ومنازلها ذات العمران المميز، وبعد أن كانت شبه غائبة عن الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عادت الصومال اليوم فاعلًا أساسيًّا، له دوره وموقفه ذو التأثير، وإن لم تكن كما كانت، تشهد الساحة الصومالية تطورات سياسية واقتصاية واجتماعية جديدة ومتلاحقة تؤذن بوجود اهتمام دولي، ويتجلى هذا الاهتمام بالتدخل التركي في الصومال، بالإضافة إلى التطورات العسكرية على الأرض.

ألم تُصبح الصومال اليوم في الإِدراك العام العربي والدولي، رمزًا للنهضة والسلام بعد أن كانت شبه غائبة؟

نعم لم ينعدم الخوف، إلَّا أن الأمان أصبح حاضرًا في المشهد، ومحسوسًا يحسُّ به كل فرد، كما أنك ستجد سيطرة العسكر مفروضة على العاصمة من أقصاها إلى أدناها.

شيئًا فشيئًا تختفي آثار الخراب والدمار في الصومال، بينما تجري نهضة عمرانية واسعة على قدم وساق، بناء مئات من المنازل وعشرات من العقارات التجارية والفنادق حصيلة مشروعات عمرانية، توفر سنويًّا – وفقًا لإحصاءات غير رسمية – ما يقدر بـ150 ألف فرصة عمل، تشترك فيها شركات محلية وأجنبية، أعادت هذه التطورات العمرانية في الصومال شيئًا من جمالها المفقود منذ عقود، وأُحييت آمال الصوماليين في مستقبل أفضل.

قام التجار والمغتربون الصوماليون بإعمار العاصمة (مقديشو) بشكل مثير، افتتحت مراكز تجارية مهمة وفنادق فاخرة  وحدائق رائعة للنزهة والسياحة، وأنشأت مشروعات مهمة في مجالات الاقتصاد والصحة والتعليم.

من الناحية الاقتصادية ستجد تكتل المحلات التجارية، تتنافس على طرح السلع المتنوعة؛ الغذائية، والدوائية، والأثاث المنزلي، والأدوات التقنية، والمحركات، وأدوات البناء، والمعدات الإنشائية، تستورد من كافة أنحاء العالم؛ شرقه وغربه، وجنوبه وشماله، مستوعبة القارات السبع، كيف لا، وهي تطل على المحيط الهندي، وتتغزل بها أكثر من خمس وعشرين ألف سفينة تجارية تمر عبر مضيق باب المندب، وأيضًا استئناف البنوك في تمويل المشاريع المختلفة؛ يعدُّ مظهرًا من مظاهر التعافي الاقتصادي الصومالي، فتمويل هذه المشاريع منح أملًا كبيرًا للصوماليين.

يشهد قطاع التعليم في الصومال تطورًا ملحوظًا، وتساهم جامعات الصومال في سد احتياجات الطلاب بدلًا من السفر إلى خارج البلاد، وتتباهى مقديشو في الفترة الأولى من الصباح، وأوقات الظهيرة بأزياء الطلبة الملونة، التي تريح الأعين، وتُشعِر بالحيوية، ونظير هذه النسبة الكبيرة من الطلبة الصوماليين فإن المنشآت التعليمية حاضرة بقوة.

القطاع التعليمي هو العامل الرئيس للنهضة الصومالية، وعنصر حقيقي بالغ الأثر؛ نظرًا لأن الصوماليين قد زاحمتهم مشقة الخوف والجوع التي هددتهم في أنفسهم وأموالهم، ولم يكن التعليم خيارًا متوفرًا، وفور أن توفر هذا الخيار بحلول الأمن، اختار الصوماليون التعليم، وقرروا أن يسلكوا طريق التكامل، وجلب مستقبل النهضة القريب إن شاء الله، بالإضافة إلى القطاع الصحي، فالمستشفيات والمراكز الطبية المختصة، والصيدليات تتوزع في كل مدن الصومال، وتوجد أيضًا نخبة من البروفيسورات الذين يؤدون دورًا رائعًا في الارتقاء بالمستوى الصحي في الصومال.

كما أنك ستجد المنشآت الخدمية تقدم الخدمات اللوجستية المساندة، إضافةً إلى الأعمال المهنية المتخصصة مثل التسويق، ومكاتب المحاماة والمحاسبين القانونيين ومكاتب الترجمة، وكذلك أعمال الدعاية والإعلان بما فيها البرمجة والتصميم والمونتاج، وتتوزع اللوحات الدعائية في أرجاء العاصمة، تقوم بدور تنشيط السوق وتسيير السلع.

فالأوضاع تغيرت، وهدأت العاصفة وسكنت الأمواج، وغنت العصافير بألحان السلام، وها هي الأيام نداولها بين الناس، لم تعد الصومال اليوم مثل تلك أو ذاك، فقد أصبحت الصومال نموذجًا للنهوض ورمزًا للسلام، بل إنها أصبحت تُقدم دُروسًا في الديمقراطية وتقود الثورة التعليمية والاقتصادية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد