خمسة أعوام مرت على انطلاق شرارة الثورة المصرية وعامان ونصف على انقضاض الثورة المضادة عليها من قبل رجالات الجيش والدولة العميقة وجزء من حلفاء الثورة، وما زالت الأمور كما هي بعد عودة جميع أركان الدولة العميقة إلى الواجهة لحكم البلاد عبر مؤسسات الدولة المختلفة، وكان آخرها مجلس الشعب الذي أصبح جميع أعضائه من النظام القديم سواء آباء أو أبناء.
ورغم أن الجميع مقتنع أن الدولة عادت إلى حضن الدولة العميقة أو إلى نظام ما قبل 25 يناير، إلا أن الوضع أصبح أسوء نتيجة تواجد أكثر من 50 ألف شخص معتقل من رفقاء ثورة يناير، سواء قيادات أو أعضاء ومن جميع فصائل الثورة، ومع الوضع الحقوقي شديد السوء في البلاد، ومع مئات حالات الاختفاء القسري والتعذيب والوفاة نتيجة التعذيب في مختلف السجون، وأماكن الاحتجاز في مختلف السجون المصرية من جنوب إلى شمال البلاد ومن شرقها إلى غربها، ومع حالات التعتيم على الإعلام حتى أصبح الإعلام المصري في اتجاه واحد فقط، مع النظام الحاكم في البلاد خشية الإغلاق تارة أو الحبس والتضيق تارة أخرى، أصبح الأمر شديد الصعوبة، ومع التحديات الاقتصادية الهائلة التي عجز النظام العسكري الحاكم للبلاد على مواجهتها، رغم المعونات الخليجية والدولية الضخمة، التي وصلت إلى 50 مليار دولار في عدد من التقارير الإخبارية، التي رصدها عدد من وسائل الإعلام العالمية والمحلية والإقليمية، وهو ما نتج عنه هزة اقتصادية كبيرة نتيجة فشل النظام الحاكم في إحداث انتعاشة اقتصادية بعدما عزل مرسي ونظامه عن الحكم.
وكان عدد كبير من عامة الشعب وداعمي النظام الحالي يأملون في إحداث نهضة اقتصادية بعدما وعدهم النظام الذي انقلب على ثورة يناير وعزل مرسي من الحكم بأن الوطن سيكون أحسن بإزاحة مرسي ونظامه عن الحكم، ولكن ذلك لم يحدث، وقام النظام بفرض ضرائب كثيرة وكبيرة على الشعب على أمل تحسن الاقتصاد ولكنه في المقابل رفع رواتب ضباط الجيش والشرطة والقضاء من أجل كسب ودهم وعدم إغضابهم، وفي المقابل فرض ضرائب وعقوبات على باقي موظفي الدولة، وهو ما تسبب في غضب ملايين الموظفين والعاملين والشباب نتيجة توقف الأمل، وهو ما جعل مع قرب الذكرى الخامسة لثورة يناير التي أصبحت لا يفصل بيننا وبينها غير أقل من 50 يومًا، وهو ما جعل كثيرًا من الشباب الغاضب والمواطنين الغاضبين والكادحين، والفقراء الذين قاطعوا انتخابات برلمان لا يساوي شيئًا في عيونهم، ينظرون إلى ثورة يناير بعين الأمل، وارتفعت الدعوات إلى النزول لإحداث ثورة أخرى على ذلك النظام من أجل “الحرية والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية” الذين غابوا عن الشعب المصري لأكثر من 60 عامًا.
ورغم تيقن الجميع، أنه إذا اندلعت ثورة جديدة في مصر ستكون ثورة مختلفة بكل تفاصيلها، عن الثورات التي اندلعت قديمًا وحديثًا، لأمور كثيرة مختلفة سياسيًا واجتماعيًا وسيجولوجيًا ونفسيًا.
ولذلك ننظر بعين التأمل بعد دراسة العديد من الثورات العربية والعالمية، التي حدثت قديمًا وحديثًا أنه إذا أراد المصريون نجاح ثورة قبل بدايتها مع علمنا أن الثورات رغم أن لها مقدمات وأسباب، هي موجودة الآن في المجتمع المصري إلا أن الثورات تظهر فجأة واندفاعية من قبل المحتجين.
لذلك يجب اتخاذ عدد من الخطوات والطرق لإنجاح الثورة القادمة.
أولًا: يجب إقناع الشعب المصري بأن النظام القائم مستبد ويخدع الشعب المصري ويمتص قدراته ويتنعم بالعيش المترف، ويترك الشعب ذليلًا وجوعانًا وعطشانًا وفقيرًا.
ثانيًا: محاولات القوى الثورية التوحد ونبذ الخلافات الموجودة بينها وإيجاد والبحث عن قائد للموجة الثورية التي يتم تنظيمها من أجل تدارك أخطاء ثورة يناير الأولى بعدم وجود قائد لها.
ثالثًا: طرح البديل القادر على قيادة الشباب والمتظاهرين من أجل مواجهة النظام القائم.
رابعًا: طرح مسودة عمل مدروسة من أهداف وأجندة اقتصادية وسياسية واجتماعية وإعلامية يتم التصديق عليها من أجل تنفيذها لما بعد إسقاط نظام السيسي ومبارك، يتم تصديرها للشعب حتى يعرف ماذا سوف يحدث حتى يشعر بالاطمئنان.
خامسًا: تقديم الرئيس محمد مرسي المحبوس من قبل النظام العسكري في البلاد استقالته إلى شخص مختار من قبل الثوار والمتحاورين من قبل المؤسسة العسكرية.
سادسًا: خروج مرسي وجميع المعتقلين بمعالجة قضائية وسياسية شاملة لظروف حبسهم ثم تكريم مرسي وجميع المحبوسين السياسيين تكريمًا يليق بهم.
سابعًا: تكريم جميع من قتل غدرًا من شهداء سواء مدنيين وسياسيين وعسكريين منذ اندلاع ثورة يناير وحتى اليوم، مع إعطاء أهلهم حقوقهم كاملة، واستخراج معاش استثنائي لأسرهم، ومعاملتهم معاملة الشهداء.
ثامنًا: إلغاء كشوف العذرية، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، ومعاقبة من يقوم بإخفاء أي مصري قسريًا وتجريم الاختفاء القسري في أي ظرف.
تاسعًا: طرح مسودة أمنية لاحترام الشعب اجتماعيًا وإنسانيًا تتم من خلاله العدالة الانتقالية، ويتم بمقتضاها محاسبة جميع من أخطأ في حق الشعب من رجال الشرطة والسياسيين والإعلاميين الفاسدين.
عاشرًا: إقامة نظام متعدد السياسات والأهداف بمنهج اقتصادي وسياسي محدد لإدارة المرحلة الانتقالية في البلاد.
إحدى عشر: تشكيل مجلس رئاسي انتقالي يقوم بحكم البلاد لـ 5 أعوام بدون أية انتخابات رئاسية، حتى يتم تهيئة الأجواء السياسية والاجتماعية والاقتصادية من الدمار الذي افتعله نظام السيسي.
اثنى عشر: إقامة انتخابات برلمانية تكون تشاركية بين جميع الأحزاب السياسية في البلاد لا يكون للتيار الإسلامي الغالبية فيها، يتم بمقتضاها تشكيل حكومة غير مدبلجة سياسية ودينيًا بحيث تكون من مجموعة من الخبراء، يتم خلالها انتشال البلاد من الوضع الاقتصادي المتردي التي وضعت فيه.
الثالث عشر: إلغاء جميع القرارات التي اتخذت في عهد عدلي منصور والسيسي وتنقية جميع القوانين من قبل خبراء دستوريين يشهد لهم بالكفاءة والنزاهة وحب الوطن بعيدًا عن الأيديولوجيات.
الرابع عشر: عمل مصالحة مجتمعية بميثاق شرف كامل يتم بمقتضاه نبذ جميع المشكلات التي حدثت بين الشعب المصري.
الخامس عشر: محاسبة جميع الإعلاميين من جميع الأطراف التي نادت بسفك الدماء والتي شاركت فيه سواء فعلًا أو قولًا أو تلميحًا.
السادس عشر: عمل ميثاق شرف إعلامي يحافظ على حرية الإعلام والإبداع والاستقلالية.
السابع عشر: ابتعاد التيار الإسلامي السياسي طواعية منه عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية لمدة دورتين رئاسيتين، مع مشاركته في تشكيل الحكومة والانتخابات البرلمانية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست