هو إذن حلم الهجرة يخرج من جديد إلى واقع الشباب المغربي، حلم لطالما كان قريبًا من مخيلة هذه الشريحة الحيوية في المجتمع المغربي، قريبًا قرب بلاد المغرب التي تفصلها 14 كيلومترًا فقط عن جارتها الأوروبية عبر بوابة إسبانيا.

قصص كثيرة ومختلفة تتحدث عن هذا الارتباط الوثيق بين أحلام الشباب المغربي والقارة العجوز، ارتباط أكدته دراسة مؤسسة جالوب للدراسات واستطلاعات الرأي التي قالت أن 65% من الشباب المغربي يرغب في الهجرة، فمن هذا الشباب المهاجر؟ هناك من وصل وهناك من فشل بسبب اختيار المركب الخاطئ وهناك من مات غرقًا أو اختناقًا قبل الوصول إلى الضفة الأخرى، لكن مع نزوح آلاف السوريين إلى أوروبا بعد الحرب السورية، وجد الشباب المغربي في مصيبة هؤلاء القوم عدة فوائد، تبقى أهمها وأبرزها، الوصول إلى البلدان الأوروبية في صفة “لاجئ سوري”.

 

فلتبدأ الرحلة

يوم الخامس من نوفمبر تشرين الثاني أوقفت السلطات التركية 40 شابًا مغربيًا بشبهة التورط مع تنظيم الدولة، حيث نقلت وكالات الأنباء التركية أن السلطات اشتبهت في رغبة الشباب القادم من مطار محمد الخامس إلى مطار أتاتورك الدولي للالتحاق بالتنظيمات الجهادية في العراق وسوريا، كان القرار هو إرجاع المشتبه فيهم إلى المغرب على دفعتين للشروع في التحقيقات، حيث قالت السلطات التركية إن سبب التوقيف الرئيسي كان هو توفر المشتبه فيهم على نفس المبلغ المالي وبعض الخرائط للمنطقة.

بعد ذلك بأسبوعين أوقفت تركيا 8 أشخاص لنفس السبب قبل أن تعلن السلطات المغربية أن الأمر لا يتعلق “بإرهابيين” بل بشباب مهاجر يريد الدخول وسط اللاجئين السوريين للوصول إلى القارة الأوروبية.

أول الشباب القاطعين لهذا الطريق منحدرون من الريف المغربي، إذ تشتهر هذه المنطقة الشمالية بشكل كبير بنسبة المهاجرين التي تصدرها للبلدان الأوروبية خصوصًا هولندا وألمانيا وبلجيكا، 1000 تذكرة سفر لتركيا بيعت لهذا الشباب المغربي الريفي كما يصرح موظف بإحدى وكالات الأسفار.

بعدها انتقلت الظاهرة إلى مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية، فيديو لشباب حي بوركون أحد أحياء المدينة على زورق يقطع بحر إيجة الفاصل بين تركيا وجزيرة كوس اليونانية، يشعل رغبات الشباب البيضاوي في خوض الرحلة التي تبدو آمنة مقارنة مع قوارب الموت التي كان يعبر من خلالها المهاجرون السوريون البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى إسبانيا.

كما انتشرت فيديوهات أخرى للاستعدادات التي يقوم بها الراغبون في الهجرة إلى ألمانيا بصفة لاجئين سوريين، استعدادات كحفظ النشيد الوطني السوري وجغرافية سوريا والاطلاع على المحافظات والمدن السورية لتجنب أية مشاكل في حالة إذا ما قامت سلطات إحدى البلدان بطرح مجموعة أسئلة للتحقق من أن هذا الشخص هو لاجئ سوري وليس مهاجرًا سريًا يحمل جنسية أخرى.

 

الطريق إلى بلاد المستشارة

تبدأ الرحلة حسب أحد الواصلين في أقرب وكالة أسفار، يقوم من خلالها الشباب الراغب في الهجرة بشراء تذكرة ذهاب وعودة إلى تركيا حتى لا يثير الشكوك، يتراوح سعر التذكرة ما بين 375 و560 يورو وذلك حسب نوع الرحلة وتوقيتها، بعد الوصول إلى تركيا وتحديدًا إلى مطار أتاتورك الدولي يسافر الواصلون إلى مدينة أزمير حيث تنشط مافيا تهريب المهاجرين ومساعدتهم على عبور بحر إيجة مقابل 1000 يورو للشخص الواحد، فيما يعبر المتطوع لقيادة الزورق مجانًا وبذلك يمكن تفسير غرق بعض الزوارق الحاملة للمهاجرين والنازحين، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الأكثر صعوبة، حيث يمر المهاجرون والنازحون بعدة نقاط حساسة تبتدئ بالحدود اليونانية المقدونية وصولًا إلى ألمانيا مرورًا بكل من صربيا وكرواتيا والمجر فالنمسا، يركب خلالها المهاجرون جميع وسائل النقل من باخرة وقطارات وحافلات، محطات تختلف فيها الصعوبات ما بين عنصرية ضد المسلمين واعتداءات وتعقيدات أمنية صارمة، خصوصًا في كل من مقدونيا وصربيا، كما تحدثت بعد المنشورات على موقع الفيس بوك عن توزيع الإنجيل على الواصلين مع التنبيه على عدم رميه أو التخلص منه.

عند الوصول إلى ألمانيا هناك من الشباب المغربي من يبقى في انتظار الحصول على أوراق الإقامة فيما يختار آخرون تتمة الرحلة للوصول إلى بلدان أخرى كفرنسا وإيطاليا حيث تقطن عائلاتهم.

 

تفجيرات باريس: الحدث الذي أعدم الحلم

بعد أحداث 13 نوفمبر تشرين الثاني والتي هزت العاصمة الفرنسية باريس، قامت السلطات في جميع الدول الأوروبية بإعلان حالة استنفار قصوى تحسبًا لأي هجوم آخر قد يستهدف مدينة أخرى من المدن الأوروبية، وكان من ضمن هذه الإجراءات الاحترازية تشديد المراقبة على المهاجرين واللاجئين السوريين، ففي البداية كان هناك منع كامل لمرور أي لاجئ أو مهاجر، ليتم بعد ذلك السماح بمرور أصحاب جوازات السفر السورية والعراقية والأفغانية فقط، حيث تم منع المئات من المهاجرين الحاملين لجنسيات أخرى كالجنسية المغربية والإيرانية والباكستانية، ليقوم بعد ذلك الممنوعون من العبور إلى “نعيم أوروبا” بخياطة أفواههم بأسلاك بلاستيكية وكتابة عبارات على صدورهم العارية من قبيل “اتركونا نمر أو أطلقوا النار علينا”، “نحن لسنا إرهابيين”، ليستمر الحال على ما هو عليه إلى يومنا هذا مع حصول بعض المحاولات للهرب ما أسفر بعض الإصابات والجروح الخطيرة كتلك التي تعرض لها شاب مغربي حاول المرور ما بين الأسلاك الكهربائية ليكون ضحية صعقة كهربائية أرسلته إلى إحدى المستشفيات اليونانية.

 

الحل الأوروبي

تحاول أوروبا الآن احتواء الأزمة الحالية بأية طريقة، بداية باليونان التي طالبت تركيا بمنع وصول المهاجرين إلى ترابها حتى لا تتورط في مشاكل تنهك اقتصادها الذي يحتضر، لتقوم بعدها أوروبا بتوقيع مسودة اتفاق مع تركيا من أجل “التعامل مع اللاجئين” بعد وصول عددهم إلى المليون لاجئ، إذ تنص المسودة على أن مقابل ذلك ستحصل أوروبا على مبلغ 3 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي، كما ستسمح الدول الأوروبية للأتراك بالدخول إلى منطقة “الشنغن” دون تأشيرة ابتداء من أكتوبر 2016، هذا بالإضافة إلى استئناف المفاوضات بشأن دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، العرض يبدو مغريًا نعم، لكنه يعكس ما مدى خوف أوروبا من اجتياح اللاجئين والمهاجرين لترابها إذ تبدو قادرة على التضحية بالشيء الكثير مقابل إنهاء هذه المشكلة التي تؤرق زعماء الغرب.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد