نيكروفيليا، أنتيخريستوس، بيرفوريا، كيغار، إيماجو، أوتيزم، الفيل الأزرق، ابنة سوسلوف، هيبتا، مسيّا، شيكاجو، دراغونوف.. والبقية تأتي!!
ليست أسماء أدوية أو مسكنات أو أفلام أجنبية أخاذة العنوان بغض النظر عن المستوى، بل هي بعض من أسماء الروايات العربية في الحقبة الأخيرة والتي تصدرت قائمة “الأكثر مبيعًا”، وهو مصطلح مستجد أيضًا آخر ما كنا نتوقع نحن جمهور الأدب ومحبو القراءة أن نراه ونسمع عنه!
الأدب الآن على وجه العموم والكتابة الروائية خاصةً أصبحت مشروعًا تجاريًّا خالصًا، أولًا اختر اسمًا غامضًا أجنبيًّا مثيرًا علاقته بالرواية ضعيفة وربما لا تكون موجودة، أو اخترع العلاقة اختراعًا داخل روايتك!
أما حشو الرواية فأمرها بسيط، اكتب أي شيء فالكل يستطيع الكتابة، اقتبس الفكرة من أي شيء، فيلم أجنبي مغمور لم يشاهده أحد، أعد صياغة رواية مغمورة لأحد الكتاب المنسيين من القرن الرابع عشر، حدث بسيط وقع أمامك ضخمه وقم بالاسترسال في الحديث عنه واضعًا فيه شخصيات كثيرة لا رابط بينها تتكلم في اللاشيء إلى أن تتعدى صفحات روايتك الخمسمائة صفحة!
يقول “ماركيز” روائي نوبل الشهير وأحد أكثر الروائيين شهرة على مر العصور إن أكثر من يسألون أنفسهم الآن: “كيف تكتب الرواية؟” هم الروائيون أنفسهم! هناك الذين يؤمنون بأن الأدب هو فن موجه لتحسين العالم، أما الآخرون فيرونه فنًّا مكرسًا لتحسين حساباتهم المصرفية.
الغلاف هو الآخر فن تسويقي خالص، وتأمل أغلفة معظم روايات الأكثر مبيعًا، ضخّم عنوانك الغامض والمثير على الغلاف، ثانيًا ضع أي صورة مثيرة غريبة كأنها أفيش لفيلم سينمائي، ثالثًا والأهم: اختر لونًا يخطف الأبصار من التي يوصي بها علم النفس الإعلاني، تلك الألوان النارية مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر والوردي الصاخب.
الترويج هو الآخر فن قائم بذاته، ادع جميع أصدقائك للحديث عن الرواية في “فيسبوك” و” تويتر”، اجعلهم يقتحمون صفحات متاجر الكتب ليقوموا بالسؤال عنها وأنهم يريدونها كذبًا! ذلك يجعل صاحب المكتبة يهرع إلى الناشر ليطلب منه روايتك.
أحد الروائيين المشهورين جدًا في الفترة الأخيرة اعترف أن روايته الأولى لم تحقق مبيعات تذكر، إلى أن قام هو وزوجته بشراء معظم الطبعة الأولى، ثم واصلوا المكالمات الهاتفية إلى المكتبات ودور النشر متقمصين شخصية قراء وهميين يطلبون الرواية. الآن هذا الرجل وصل إلى روايته الرابعة بعد رواية ثالثة حققت ضجيجًا دعائيًّا وحولت لفيلم سينمائي! تلك الرواية قالت عنها أحد القراء واخترت التعليق عشوائيًا : “الـ … الأ… عجبتني إنما الألفاظ الخارجة فيها فوق الوصف.. يعني أنا لم أرضى إعطائها لأخويا الصغير يقرأها بسبب الألفاظ الموجودة بها”!
والمحصلة هي بيع الآلاف من أعمال ربما تكون جيدة في نظر القراء العوام أو ممن يقرأون لأول مرة، أولئك الذين ليس عندهم القدرة علي الحكم الأدبي علي الرواية، فقط هم قرأوا كلامًا بسيطًا أقرب إلى العامية! تعجبهم لدرجة الانبهار فكرة أنهم قرأوا رواية أخيرًا وأنهم أصبحوا في عداد المثقفين! بالطبع يكون حكمهم على الرواية أنها جيدة ورائعة وتستحق “البوكر”، ألم نقرأها؟!
والنتيجة النهائية هي أن نرى معجزة أن تكتب مجلة “فوربس” الشهيرة جدًا في مجال الأعمال وتغطية أخبار الأغنياء تقريرًا عن كاتب مصري كتب روايته بالعامية واختار لها اسمًا كالمشار إليها أعلاه لتتخطى ثروته حاجز المليون جنيه من الكتابة!! بينما حقيقة الأمر أننا لا زلنا ” ثقافيًّا وأدبيًّا واجتماعيًّا” كما نحن. المواطن فى “إسرائيل” يقرأ في العام أربعين كتابًا، بينما يقرأ ثمانون مواطنًا عربيًّا كتابًا واحد في السنة، ويصدر لكل 350 ألف عربي كتابًا، بينما يقل هذا العدد أوروبيًّا ليصبح كتابًا لكل 15 ألف مواطن!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست