لم تدرك الثقافة العربية معنى الثورة مبكرًا؛ لذلك كل الأصول اللغوية للثورة مرتبطة بالهياج، أو الغضب، حتى غاب المعنى السياسي والاجتماعي عن العقلية العربية لذلك، وكانت حركات التغيير العربية في عصور التوهج الأدبي هي حركات ثأرية ليست ثورية.

حتى مع معاني الغضب ربما تساعدنا في فهم الثورة أيضًا؛ لكن الأصل الغربي للثورة في اللغات خاصة الإنجليزية والفرنسية تعني اصطلاحًا:

تغيير في بنية المجتمع سياسيًّا، اجتماعيًّا، واقتصاديًّا.

عند النظر إلى هذين المفهومين في السياق نفسه نتفهم معنى الدعوة إلى إحداث ثورة، ربما نعرفه بأنه:

الدعوة إلى تغيير الأوضاع السائدة الحالية سواء اجتماعيًّا أو خلافه.

من هنا نستطيع أن نبدأ مقالنا الذي ينظر في رؤية ثلاثة أدباء هم ماريو بارغس يوسا، نيكوس كازانتزكيس، وحتى الدكتور علاء الأسوانى من خلال النظر في أدبهم المحرض على التغيير.

كيف يدعو الكاتب إلى التغيير؟!

الأدب كغيره من الوسائل التي لها أدواتها، التى تسهل من إيصال فكرته:

اللغة:

اللغة هي السيارة التي يقودها أي كاتب، لكن حذار أن تنتبه إلى السيارة وتنسي الطريق ذاته

هذه أول فارق نلتمسه في أدب يوسا، وإذا أردنا أن نوجز لتكن أبرز رواياته «حفلة التيس» وبين كاتب مثل «علاء الأسوانى» في «جمهورية كأن»:

في مجتمع متخلِّف كذَّاب يعشق الأوهام، ولست مستعدًّا لدفع ثمن غباء الآخرين.

يبدو الأمر وكأنك تستمع إلى واحدة من محاضرات الأسوانى، لا يتعلق الأمر برواية.

الشخصيات:

تعد الشخصيات أهم ما يمكن أن يضعه المؤلف في روايته، أهم عنصر هو رسم الشخصية الأبعاد النفسية، الاجتماعية، الدوافع التى من الممكن أن تسبب كل هذه الأحداث، وأهم هذه الأشياء أن تبتعد عن الرسم الكرتوني للشخصيات.

الرسم الكرتوني للشخصيات يتضمن توقع ردود الفعل من الشخصيات، تجنب يوسا هذا في «حفلة التيس»؛ إذ رسم الشخصية الرئيسية الطفلة التى روت الأحداث؛ روت تلك الأحداث بشكل خارجي، وكأن الأمر لا يعنيها.

هي التى تعرضت للاغتصاب على يد الطاغية؛ حتى طريقة السرد في الرواية كانت من ثلاث وجهات للنظر.

واحدة منها الطفلة التي تعرضت للاغتصاب وأصبحت شابة فيما بعد، الآخر كان صوت فريق الاغتيال الذي لم يحتو على أبطال خارقين لا يرتبكون الهفوات، أو معصومين من الأخطاء، بل جعل بعضهم هدفه الواضح هو الانتقام.

أما أكثر الأصوات إثارة للدهشة فهي من داخل دائرة الديكتاتور، كيف يتعامل مع مساعديه؛ بل كيف يتصرف كطفل أحيانًا.

بالطبع لن تعجب بقاتل؛ لكن يوسا يسجل له حيث وظيفة الأدب ليس إصدار الأحكام على أحد، لكن تسجيل وحفظ حكايا البشر.

بينما في «جمهورية كأن)» علاء الأسوانى هو البطل؛ هذه الأفكار له، وهو ما يعيب الرواية تمامًا.

حيث بدا الأمر لي وكأنك تقرأ مقالًا لعلاء الأسوانى.

وهو أمر لم يغب عن الأسوانى إلا في قليل من رواياته؛ منها «شيكاجو» على سبيل المثال؛ حيث احترف الأسوانى الرواية السياسية؛ وتناول المخاض الاجتماعي المرتبط بها بدءًا من مجموعته القصصية الأولى «نيران صديقة»، لكن الغوص في هذا النوع مع لجوء الأسوانى لكتابة المقالات على بعض المواقع جعل هناك مشكلة في الإتاحة، وتكرار الأفكار.

الوصفة السحرية:

ربما لا يملك الأديب عصا سحرية للتغيير في المجتمع؛ صناعة أدب محلى غارق في المحلية أو أدب مطلع على الثقافات الأخرى من أجل المقارنة؛ هي خيارات ربما توضع أمام الكتاب مع أي عمل لهم؛ لكن السؤال الصعب هو: هل يجب على الكتاب أن يفكروا في التغيير أثناء كتابة أعمالهم الأدبية؟!

النماذج التي تناولتها في هذا الطرح، وغيرها من الكتاب الذين أثروا في حياة أوطانهم كانوا كتابًا جيدين في الأساس ثم حملت صنعتهم، وحرفيتهم في الكتابة تلك الأفكار.

بل قد تمر بعض الأفكار تحت عذوبة اللغة، وجزالة الأسلوب.

لذلك يجب أن يفكر الأديب أولًا في تحسين لغته؛ أسلوبه؛ وطرق سرده، ثم يجعلها وعاءً حاملًا الأفكار مهما كانت، لا يصب آراؤه ومعتقداته على أرض غير صلبة من الأدب؛ فتذهب هباءً منثورًا دون طائل. والقارئ يجتهد في الوصول إلى تلك الأفكار مستمتعًا لا مرهقًا.

كازانتزكيس والرهان الصعب:

خاض نيكوس كازانتزكيس معارك ضارية مع كل كتبه؛ ربما الموضوعات؛ حيث كان تقديم رؤية مغايرة للرؤية الدينية السائدة حينها موضوعًا محرجًا للسلطة الدينية، لكننا إذا شاهدنا بعين النقد روايته الأفضل من وجهة نظري الخاصة «الإخوة الأعداء» وبعين ناقدة تضع أيدينا على مفردات الكتابة الثورية الحقيقية.

القصة والحبكة عن الحرب؛ الحرب التي تتخذ دوافع كثيرة الدين، الثروة، أو الأيديولوجيا.

نيكوس اليساري الذي قد يتهم بالتطرف في دعمه للينين خلال الرواية؛ وذلك عند القراءة السطحية لها.

جعل صوت «الأب يارنوس» بطل روايته متدينًا يدافع عن فكرته باستخدام الدين؛ وأعطى الصوت المقابل الثائر على رؤية الدين، يراه مجرد أفيون لتخدير الشعوب، كان صوته مسموعًا أيضًا.

حتى ليغيب صوت الحسم الذي يريد بعض القراء من كاتبهم أن يلجأ إليه في تأييد وجهة نظرهم من خلال الرواية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد