قبل فترة نشر أحد أصدقائي الأعزاء كاريكاتيرًا لحمار يجلس على كرسي وهناك أحد الأشخاص مكتوب عليه «مدرب تنمية بشرية»، وهو يقول للحمار: أنت أسد، أنت أسد !

هذا الكاريكاتير المضحك والمعبر حقيقة عن بعض ما يشطح به مدربو التنمية البشرية أصبح واقعًا مؤسفًا، ففي الوقت الذي نريد من التنمية البشرية أن تصبح أحد عوامل النهضة والريادة على أسس علمية وصحيحة، بتنا نخاف أن تصبح حاليًا كالدجل والشعوذة تقدم أشياءً وهمية للناس، ويعمل فيها كل من هب ودب.

حتى صرنا نخاف أن يطلق علينا «مجتمع المدربين»، ولا نجد متدربين من كثرة انتشار شهادات المدربين ودورات الـTOT.

لذلك وحتى نصل إلى تنمية بشرية حقيقية وليست «وهمية»، وحتى نرشد هذا العلم ونميز منه الغث والسمين، لا بد من معالجة بعض المصطلحات والأفكار فيه، وهذا جزء من المصطلحات التي أعتقد أنها بحاجة لضبط وتعديل.

– «التنمية البشرية جزء من الحل وليست الحل كله»: لا نتعامل مع التنمية البشرية كعصا سحرية ونقدمها للناس بعنواين براقة تضخم المحتوى، وتقدمه على أنه العلاج الشافي لكل داء. فكما أن هناك عاملًا من عوامل التطوير البشري اسمه الرغبة، فهناك القدرة، وهناك الموهبة وهناك الفرصة، والرغبة دافع للوصول لباقي العوامل.

–  «كلما ابتعدنا عن العلم كلما وصلنا الوهم»: يجب أن تركز دوات التنمية البشرية على علم «الإدارة» والعلوم «النفسية»، وأن تقدم للناس قواعد ونظريات من هذه العلوم، وجزء من مهام الدورات تبسيطها للناس. وأستغرب أني أرى بعض المدربين يؤلف نظريات وقواعد وقوانين من اجتهاده الشخصي، رغم أن العلم موجود ويلزم المدرب نفسه دورات فيها، ثم يقوم بتقديمها للناس.

– «التخصصية هي سمة المدرب الفذ»: بعض المدربين أصبح مثل السوبرمان متعدد الإمكانات والمواهب، ويقوم بتقديم أي دورة، وفي أي تخصص كانت، وهذا جزء من الأخطاء التي أراها في المدربين، فالتخصصية في علم معين تمكنك من الاطلاع على تفاصيله والتعمق فيه، كما تتيح لك الاطلاع على أحدث التطورات والتقدم فيه، وهذا ما يحتاجه الناس، مدرب متمكن مطلع أفضل من مدرب متحدث فقط.

– «للتدريب حد أدنى لا يصبح للتدريب معنى بدونه»: فالعلم والمعرفة والاطلاع بالإضافة إلى المؤهل العلمي، ثم تأتي الخبرة العملية «الحقيقية»، والتي تعني السنوات التي قمت فيها بالعمل الحقيقي في المجال، وليس عدد السنوات المتراكمة، وحتى لا تصبح مهنة المدرب مهنة من لا مهنة له وحلًّا للبطالة.

– «التحفيز جزء من العملية التدريبية وليس التدريب كله»: وكذلك الألعاب التدريبية لذا مطلوب من المدرب أن يستخدم التحفيز والألعاب وغيرها من الوسائل التدريبية كعامل مساعد للوصول إلى أهداف التدريب، لا أن يصبح التدريب ترفيهًا واستمتاعًا دون الوصول للأهداف.

– «ليس كل الناس قادة وإداريين»: نحن نريد رفع المهارة والجدارة الإدارية والقيادية، لكن لا نريد مجتمع إداريين وقادة فقط، وبالعادة تصل نسبة القادة المؤثرين والرياديين 2.8% من نسبة المجتمع الكلي. بعض المدربين يريد أن تصل هذه النسبة إلى 90%، وبتالي لن نجد مرؤوسين.

– «النتائج بحاجة إلى جهد ووقت ومراحل»: أسمع عن الكثير من الدورات تتحدث عن كيف تتعلم كذا في 3 أيام، وكيف تتعلم كذا في بضع ساعات، أعتقد أن هذه الأمور من الأوهام والدجل وليست من الحقيقة في شيء، فالعلاج المقدم من الطبيب له وقت حتى يأخذ مفعوله، والعلاج له مراحل، وكذلك التطوير والتحسين، ولن تستطيع صعود الدرج مرة واحدة.

وختامًا لا بد أن تكون هناك هيئة أو منظمة أو مؤسسة تكون معنية بتظيم التدريب واعتماد المدربين، واعتماد المؤسسات التي تقدم دورات تدريب المدربين، وتكون معنية بالاعتماد والتأهيل والاختصاصات التدريبية، حتى نصل إلى أهداف حقيقية ونساهم في نهضة وتطوير مجتمعاتنا بفعالية وعلى علم وبينة.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد