بات مصطلح التنمية البشرية في الفترة الأخيرة بين مؤيد له معتبرا كل من لايؤمن بالتنمية البشرية فاشلا في حياته، منكرا لعلم جاء ليغير وجه العالم، وبين معارض له معتبرا كل الداعين باسم التنمية البشرية إنما هم مجموعة من المحتالين؛ اتخذوا من التنمية البشرية أداة للاحتيال، ولم يستقر الناس على رأي واضح في هذا المصطلح، أتعد التنمية البشرية علما أم أداة للاحتيال؟ وثار كثير من التساؤلات حول هذا المصطلح، فدعونا نوضح بعضها.
كيف نشأت كتابات التنمية البشرية :
في الواقع، يرجع الحديث عن الكتابة في مجال التنمية البشرية إلى تلك المقالات التي كان يكتبها الصحفى الأمريكى “نابلوين هيل”، إلى أن نشر أول كتاب له – والذي يعد أول كتاب في التنمية البشرية بمفهومها المعاصر – ألا وهو كتاب: “قانون النجاح في ستة عشر درسا”، وذلك بعد أن أمضى في كتابته عشرين عاما من دراسة حياة الناجحين، سواء في عصره أو ممن سبقوه، ثم تلاه بكتابه الأشهر، وهو: “فكر وازدد غنى”، وذلك بدعم من المليونير “اندرو كارنيجى”، ثم تلت هذه الكتب كتابات أخرى لهيل، ولغيره، حول أسباب النجاحن والتخطيط للحياة، وتنظيم الوقت، وغيرها من المهارات.
ظهور المصطلح والانتشار العالمي:
بعد الحرب العالمية الثانية بدأت نوبات التغيير والتنمية تسود العالم كله، وبدأت الدول تهتم بالتنمية الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ومن ثم بدأ مصطلح التنمية البشرية، وهو تنمية الإنسان حتى يلحق بركاب التنمية في العالم، وحيث إنه لا تقدم لمجتمع دون تنمية العنصر البشرى فقد بدأ ينتشر مصطلح التنمية البشرية، من حيث التعليم والثقافة والصحة، وكل ما يخص العنصر البشري – وهو ما ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالتنمية البشرية بمفهومها الحديث – وبدأ المركز الإنمائي للأمم المتحدة يصدر تقارير سنوية تحت مسمى تقرير التنمية البشرية، والذي يتناول محاور تنمية العنصر البشري في العالم، وذلك أعطى للمصطلح بلا شك شهرة وعالمية.
المفهوم المعاصر للتنمية البشرية:
هي مجموعة من الأدوات والمهارات التي ينبغي على الإنسان تنميتها؛ لتحقيق أكبر معدلات النجاح في حياته، وذلك باستخلاص تلك المهارات من حياة الأشخاص الناجحين.
** ولا بد من وقفة هنا؛ لنوضح أن هذه المهارات من الممكن أن ينميها الإنسان بمفرده، دون اللجوء إلى محاضرات أو دورات في التنمية البشرية؛ فكل إنسان منا يعلم نقاط ضعفه، ونقاط قوته، وكيفية تنمية نقاط ضعفه، وهذا ملخص التنمية البشرية، وليس معنى ذلك أن تلك المحاضرات أو الدورات لا فائدة لها، بل هي عامل مساعد ومهم في مسيرة التغيير، خصوصا للأشخاص الذين لا يعرفون من أين ينطلقون إلى النجاح، ولا يعرفون السبيل إلى تنظيم أوقاتهم أو تنمية مهارات الإلقاء والثقة بالنفس، وغير ذلك، ولكن الشرط الأساس في الاستفادة من تلك المحاضرات أو الدورات هو رغبة الشخص أولا في التغير والعمل بالفعل نحو التغيير للأحسن، وإلا فما الفائدة من سماع مئات المحاضرات، وحضور عشرات الدورات في التنمية البشرية، نرجع بعدها بطاقة إيجابية ثم لا نلبس يومين أو ثلاثة وإذا بنا نعود لما اعتدنا علينا، ثم نثور، ونقول إن التنمية البشرية ضرب من الخيال، وما هي إلا كلام تحفيزي لا فائدة له؛ فلقد حضرت العديد من الدورات، ولم أتغير، وهذا لا يصح بحال من الأحوال؛ فالتنمية البشرية ليست بالعصا السحرية التي تغيرك في محاضرة، ولا المحاضر بالساحر القادر على تغيير كل البشر إلى ناجحين ومؤثرين في الحياة، فما هي إلا كتلميذ لا يذاكر فيأتي والده ليحفزه ويعلمه كيف ينظم وقته، ويحكى له قصص إخوته: كيف ذاكروا وتعبوا، حتى حققوا نجاحاتهم الشخصية، ثم يحدثه عن مستقبله إذا استعد له من الآن، وكيف سيكون، الوالد بالطبع لم يجعل الطالب الذي لا يذاكر يذاكر ليل نهار، ولا يصح أن ننكر ما فعله الوالد ونعتبره بائعا وهما، بل دور تحفيز الوالد مهم، وعلى التلميذ أن يبدأ من بعدها في المذاكرة حتى يحقق ما يتمناه.
هل تعتبر التنمية البشرية علم ؟
في الحقيقة لا يمكن اعتبار التنمية البشرية علم؛ لأنها لا تخضع لقوانين العلوم، وليس لها قواعد، ولا تخضع للبحث والتجربة، إنما هي نقل خبرات الناجحين للناس؛ حتى يتعلموا من قصصهم,
وان كان بعض الداعين باسم التنمية البشرية يعتبرونها علما، وينسبون لها بعضا من العلوم الأخرى، كعلم البرمجة اللغوية العصبية، وغيره من العلوم التي اعتبرها العلماء علوما زائفة، لا أصل لها.
وإحقاقا للحق، فإن هناك عددا من المراكز والشركات الذين يستغلون جهل الناس، وتحت اسم التنمية البشرية وأسماء المدربين – الأمير والزعيم وعمدة التنمية البشرية، ولا أدري من أين تأتي هذه المصطلحات، ومن الذي يلقبهم بها، وعن عدد الشهادات التي لا حصر لها التي حصل عليها المدرب، والمعتمد من 20 جامعة، وماجستير التنمية البشرية ودكتوراه التنمية البشرية – تعطى دورات بمبالغ ضخمة، ويتم الترويج لها، وكأن الإنسان بغيرها لا يستطيع النجاح، وبمجرد حضورها سيتغير حاله إلى إنسان آخر، وهذا لا يمكن وصفه، إلا بالاحتيال والنصب.
وفي النهاية :
- لا تعتبروا التنمية البشرية أو أي شيء آخر مفيدا أداة للاحتيال حتى لو استخدمه البعض كأداة للاحتيال.
- احضروا تلك الدورات والمحاضرات، ولا تنتظروا إلا الإفادة، لا تلتفتوا إلى الشهادات.
- لا تسمحوا لأحد باستغلالكم تحت أي مسمى.
- حاولوا الاستفادة من التنمية البشرية، وذلك بالإصرار، والعمل، والتطبيق، ولا تكتفوا بسماع المحاضرات أو حضور الدورات.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست