على ضفافِ نهر هوجلي كولكتا – الهند وقفتُ كجموعِ الناس أراقبُ الغروب بعد جولة في المدينة كان أجمل ما فيها هذا النهر الرائع الذي ذكرني بدجلة العراقي، وقد فارقتهُ قبل تاريخِ هذه الصورة بأشهر قليلة.
على ضفاف هوجلي عدةُ معابد فاخرة البناء كقصرِ فرعونٍ فاحش الثراء جدرانهُ تروي قصة ملايين أُنفقت لتشييد و تزين المكان وتناست بطل هذه السطور
كانت النشاطات قبالة الشاطئ مختلفة فمن الناس من كان يغطس قدميه ويهمهم ومنهم من كان يغترف الماء ويضعه على رأسه في جو قداسة وخشوع اكتشفت أن هذا النهر مقدس لديهم وله آلهة تسقي مجراه !
ملت بنظري يساراً ويميناً أتفحص بفضول تفاصيل المكان كعادتي في أي مكان جديد.
أثارت تساؤلاتي طفلٌ يقف في المياه تغمر نصف جسده في جو مائل للبرودة لا يدعو للخوض هكذا، أطلت النظر إليه وهو يرمي صنارتهُ غريبة الرأس يستعمل بدل خيوط الصيد حبالاً سميكة، يكرر الرمي ويسحب دون انتظار يتفحص حجر صنارته الغريب فيلتقط منه غلة صيده ويكرر الرمي !
وعلى مرمى 3 أمتار منه والدته على ما أظن تكرر نفس العملية
التفت حولي لأفهم الموضوع فوجدت أن زائري المعبد يقصدون مغطس النهر هذا لرمي قرابينهم من قطع النقود المعدنية تبركاً بالنهر الذي يقدسونه و يقدسون آلهة المنبع.
بطل قصتنا صياد النقود يقتاتُ على تفاوت العقول والمعتقدات
فالمعابدُ، تبنى ويأتي الناس للتبرك ويُجتذب السياح. أما الطفل فيعيش وعائلته على هذه القطع النقدية البخسة.
لو فكر من رمى النقود قليلاً لرأى أن يختصر عناء الطفل بوضعها بيده بدل قذفها في عرض النهر، ولكان الأمرُ أَقدس !
سيضحك قارئ هذه السطور على سذاجة أمرهم ويعتبره غريباً، بل سيقولُ : نعم هنود، لكن لننتظر لحظة!
قد شاهدت بأم عيني مبالغ طائلة تحشر من شباك مقام إمامٍ صالح أو صحابي جليل؛ لتقع على قبرٍ أصم، يذهب ريعُ هذه الأموال إلى المجهول
ويتناسى رامي هذه النقود ابن السبيل والسائلين واليتامى والمساكين المتعففين والمعاقين وما استجد في أراضينا من مخيمين متشردين !
تُزين وتزركش المساجد بالملايين؛ لتكون مفخرة فقط لمن بناها ويموت أطفال المسلمين برداً في مخيمات سوريا والعراق !
تُبنى ساعة في ألمانيا لتوضع في أرضٍ عربية قدسها الله بتكلفة ( 3 مليار دولار) !
ومبيت ليلة واحدة في فندقٍ أمام مسجد كان رمزاً للبساطة والتفاني من أجل الآخرين ونشر التعاليم السمحاء يكلفك 200$.
بينما معدل دخل المواطن الصومالي العربي المسلم السنوي 600$.
تتمشى في إحدى الدول العربية لتشك للحظة أنك تسلك طريقاً في دلهي لترجع لمسكنك تشاهد في التلفاز آلاف العرب المسلمين يخوضون البحر قسراً هاربين !
هنا نستذكر قول عملاق الإسلام ( ابن الخطاب ) رضي الله عنه عندما طلب منه أحدهم لم لا تكسو الكعبة بالحرير الثمين ليجيب : بطون المسلمين أولى.
بالله تسرق الجيوب وتُزخرف العبادات وبتفاوت العقول تُستغل العواطف
فلصياد النقود على نهر هوجلي أشباهٌ في مجتماعاتنا الثيروقراطية على شكل حيتان تبتلع ما يجود به ملايين البسطاء.
غير أن صياد هوجلي لا يبتلع شيئاً فهو في ذيل الهرم تناساه من بنى المعابد ومن رمى النقود ومن تبرك بالمياه.
أما حيتاننا فتُقَدس وتُكَّنى بأسمى الكنى وتطاع وكلمتها لا ترد لم يبقى سوى السجود لها، وحسب علمي قد أبيح لبعضهم.
ولا أعلم نوايا حيتاننا فمعدل أعمارهم 60-70 لو وضع ما يبتلعه من أموال على المائدة كل يوم ويتناولها طعاماً وحرقها وتدفأ عليها لن تنفد مائة سنة،
حاشا لله من أفواه تدعي خدمته ونصرته. حاشا لله من حيتانٍ تدعي أنها آياته ووسطاؤه وممثلوه.
والله تعالى قال : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). رفعت الاقلامُ وجفت الصحف
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست