تداخلت أفكاري عند بداية الكتابة حول هذا الموضوع، لأنه واقع نعيش فيه، ونتعايش معه، مثل تعايشنا مع جائحة كورونا، التي أصبحنا تارةً نكذب وجودها وارتداء القناع، رغما عنا وإخفاء ملامحنا به، فهذا نفاق بحد ذاته، فأصبحنا بالرغم من الوباء الخطير، نمارس حياتنا العادية كالسابق، بهذه الفكرة تستطيع أن تتفهم ما أشير إليه اليوم، فهناك تأثيرات خارجية تم استيرادها من الخارج، مثل طغيان المادة وانعدام الأخلاق والمشاعر الحقيقية، مثل الصدق، وتمني الخير للآخرين، المساعدة، التشجيع، التهنئة والمباركة؛ كل هذا الكم الهائل من الصفات التي جاء بها الإسلام، تم العمل على إزالتها بالتدريج بطريقة ممنهجة، بواسطة أشخاص محسوبين على المجتمع العربي الأصيل، فعملوا على طمس الهوية العربية من الكرم والجود إلى الجفاف حتى أصبحنا مثل الأرض البور.
نعم الواقع الحالي أصبح الإنسان مثل الرجل الآلي، أو إن صح التعبير، إلى كائن لا أعلم تصنيفه حاليًا، اختفت ملامحه البشرية واصطنع عدة شخصيات وأقنعة يستعملها حسب الحاجة أو المصلحة لقضاء حوائجه، للأسف هذا هو التطور الذي وصلنا إليه مقارنةً بالعالم الآخر الذي سارع إلى ملامسة كوكب المريخ، ونحن لا نزال نصنع من أنفسنا دمى متحركة، تتحرك حسب الحاجة البيولوجية، وانعدمت العلاقة الروحية بين الأنفس البشرية، لقد دخلنا دوامة في بحر هائج لا نستطيع الخروج منها، أحتار كل يوم، وأطرح على نفسي سؤالًا: لماذا أصبحنا على هذه الحال، فلم أجد في نفسي جوابًا مقنعًا.
فربما ظروف عدة تداخلت مع بعضها بعضًا، لتفرض علينا العيش بعدة وجوه مختلفة، في النهار تتغير مثل أحوال الطقس من غائم إلى صحو، وبالرغم من كل الإمكانيات الحالية، التي تفرض علينا، مثل مجتمع التعلم، والابتعاد عن الجهل مقارنة بالماضي القريب، غير أننا غارقون حتى الأذقان في بحيرة الجهل والظلام الحالك.
نحن الآن نعيش حياتنا مثل الشخصيات المصطنعة الموجودة في الألعاب الإلكترونية مثل الـ «xbox» مثلًا، تختار شخصية وتغير ملامحها حسب متطلباتك، كلها أمثلة عديدة على أن القناع أصبح أسلوب حياة، وليست آفة يتم دراستها، ووضع حلول لها، أصبحت مثل برنامج أو تطبيق مبرمج في عقولنا، تبتسم عندما تكون في أمس الحاجة لمصلحة ما، فمثلًا وأنت ذاهب إلى مركز البريد في مكان ما في يوم حار، والرطوبة في أوجها، صادفت صديقك الذي لم تره لمدة طويلة، يملك سيارة جديدة مكيفة، كنت تبغضه وتكره التكلم معه، ولكن لقضاء حوائجك تركب معه وتضحك بقناعك المصطنع، لكن داخلك لا توجد إشارة فرح برؤيته بل رائحة الكره والحسد تفوح من مخيلتك.
لكن هناك علاج لهذه الحالات، حتى لا تصبح مرضًا نفسيًّا، ويستفحل الحال إلى الأسوأ، هل قمنا بمقابلة أنفسنا نعم ستطرح هذا السؤال: كيف أقابل نفسي؟ نعم تستطيع، قابلها بالتمسك بالدين والابتعاد عن هذه التصرفات المشينة الدخيلة علينا، إنها أسلوب الغربيين في مجتمعاتهم الفاسدة النتنة، بالرغم من ناطحات السحاب لكن الشوارع في الأسفل نتنة، وهنا لا أتكلم عن النظافة بل كيفية التعامل مع بعضهم، تخيل مجموعة أشخاص يتواجدون عند إشارة المرور ينتظرون الضوء الأخضر للمرور بممر الراجلين، يسقط أحدهم مغشيًّا عليه، ولا أحد يتجاوب معه، لأن ذلك مضيعة وقت، وهناك من يراقب بالكاميرا، وسيرسل سيارة إسعاف، نحن مقارنة بهم لا يزال الخير متواجدًا بيننا، لكن فيروس النفاق تفشى بيننا، وأصبح ينخر المجتمع، لكن من هو المخطئ؛ أنا أم أنت أم هم، لكي لا ندخل في دائرة مفرغة، علينا بمحاسبة أنفسنا وإحياء الضمير، كأن تقابل نفسك في مرآة البهو بمنزلك لترتيب ملابسك، أو تصفيف شعرك، لكن في هذه المرة قابل نفسك بتجميل شخصيتك وتزيينها بالقول الحسن والمعاملة الجيدة، تمني الخير للناس كلها. خصال تُستمد من ديننا الحنيف.
ابدأ المبادرة اليوم، فلا تخف، فربما تكون بداية صلاح المجتمع.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست