في هذا المقال لن أتحدث عن مدى خطورة فيروس كوفيد-19، وإن لم تكن مدركًا لذلك الخطر فيؤسفني أن أخبرك أن احتمالية موتك بجهلك أكثر بكثير من موتك بالفيروس نفسه.
لندخل سريعًا في موضوعنا ونبدأ في طرح الأفكار.
وصلت وفيات فيروس كورونا إلى مليون وأكثر من 800 ألف، فتأكد تمامًا أن وفاتك لن تسبب مشكلة للحكومة ولا للعالم، ولن تنقلب الصحف والرأي العام بسبب خبر وفاتك.
الحفاظ على صحتك أصبح الآن هو قرارك الذاتي فقط، التزامك بالإجراءات الاحترازية بأكملها – التي لا تبالي بها هذه – هو السبيل الأقرب للنجاة.
افترض معي أن الحكومة لن تفعِّل الحظر مرة أخرى، ولن تضع مخالفات على من لا يرتدي كمامة، ولن تمنع التجمعات في الأماكن التي تجلس بها، ماذا تفعل في هذه الحالة؟ هل تلقي بحياتك إلى التهلكة من أجل أن الحكومة لم تقم بواجبها؟ وجب علينا الآن أن نأخذ قراراتنا الخاصة، وأن نقف وقفة مع ذاتنا لأن القضية ليست هينة، إنها حياتك!
إذًا لماذا ينتظر المصريون قرارات الحكومة للحفاظ على صحتهم؟
طبقًا لمقال تم نشره بعنوان: «خمسة أسباب توضح لماذا نمارس لعبة اللوم وإلقاء الخطأ على الآخرين» نشرته الكاتبة سوزان ك. ويتبورن يتضح لنا أسباب انتظار الناس لقرارات الحكومة.
عندما تحدث مشكلة ويشعر الإنسان أنه طرف بها فيبدأ باستخدام نظرية أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم فبدلًا عن نَسب الخطأ في تزايد أعداد المصابين لعدم وعي المجتمع فيبدأ الناس بإلقاء اللوم على الحكومة أنها لم تفرض حظر على المواطنين، ولم تفرض غرامة على من لا يلتزم بالإجراءات الاحترازية، ويسعى الإنسان لذلك دائمًا حتى يشعر دائمًا بالرضا عن ذاته، ولكن تعليق الخطأ على شماعة الآخرين في هذة الحالة لن يجدي نفعًا؛ لأن الخطأ هنا قد يؤدي إلى وفاتك. ننتقل إذًا إلى السؤال الذي يليه.
لماذا لا يلتزم الناس بالإجراءات الاحترازية؟
قام العالم سولومون آش بإحضار مجموعة من الناس عام 1951، ووضعهم في اختبار معين (2) واتفق مع الجميع على إجابة محددة سيقولونها، كرر آش التجربة مرات عديدة، وكان اتفاقه مع الممثلين أن يقولوا الإجابة الصحيحة أول مرتين فقط، وبعد ذلك يقولون جميعهم الإجابة الخاطئة المتفق عليها، لينظر ما ردة فعل الشخص الذي لم يكن على علم بهذا.
وبعد تمام التجربة كانت النتائج مذهلة، ثلث من تعرضوا للتجربة قالوا نفس الرأي الخطأ الذي سمعوه من زملائهم في جميع التجارب، والباقي قالوا نفس الرأي الخطأ ولو في تجربة واحدة على الأقل، وكانت إجاباتهم دائمًا تأتي بعد اجابات الجميع.
بعد إتمام التجارب قام سولومون بعقد جلسات فردية مع جميع الأشخاص الذين تمت عليهم التجارب، وأقروا جميعهم بأنهم تأثروا بآراء الأشخاص الممثلين المُتفق معهم لدرجة تغير آراءهم ووجهة نظرهم للإجابات.
وهذا ما يطلق عليه تأثير المجموعة قد تكون اكثر جملة تسمعها في الشوارع المصرية يعم هو الكمامة هتعمل ايه للڤيروس يعني! مجرد السماع لمثل هذه الأفكار كثيرًا قد يغير قناعة الأفراد، عدم مبالاة البعض – في كل مؤسسة أو أسرة أو غيرها – هي السبب الرئيس في عدم مبالاة الجميع.
ما هو دورك بعد معرفتك لمثل هذا الشيء؟
كما أن نشر المعلومات الخاطئة له القدرة على تغيير أفكار الجميع، فنشر المعلومات الصحيحة كذلك له نفس التأثير على الناس. قليل من القراءة حول الڤيروس من مصادر موثقة ونشرها بين الناس أفضل خدمة تقدمها للبشر جميعًا.
لماذا لا يتوقف مدرسو «السناتر» عن إعطاء الدروس في ظل هذه الأزمة؟
في مركز الدروس الخصوصية السنتر يتجمع نحو 150 طالبًا أو أكثر في مكان مغلق ليشرح لهم المدرس درس – يعتقد أنه أهم من حياتهم – وفي نهاية الحصة يخرج الطلاب في مجموعات، وليس جميعهم مرة واحدة، حتى لا تعلم الحكومة بأمره وتغرمه مبلغًا يستطيع تجميعه من 10 طلاب فقط شهريًا.
إذًا من يتحمل هذه الجريمة؟
يتحملها كل من ولي أمر الطالب والمعلم، ولكن بما أن المعلم هو أساس الوعي في هذا المجتمع، وهو يملك دائمًا الجمهور الذي قد يعرض عليهم أفكاره بكل سهولة، لذا فايتحمل المعلم العبء الأكبر من هذه المشكلة.
أثناء فترة الحظر الذي فرضته الحكومة أبدع المعلمون في إيجاد حلول بديلة من خلال منصات التعليم الإلكتروني، حتى من لم يكن كفئًا في التعليم الإلكتروني وقدم تعليمًا بجودة أقل، فهذا أيضًا أفضل من المخاطرة بحياة الطالب، وهذه نظرتي له كمعلم.
يرعى مئات الطلاب، أما عن كونه إنسانًا له عائلة فيجب عليه أن يتحمل مسئولية الحفاظ على صحتهم، وليس من المسئولية أن يجلس مع مئات الطلاب يوميًا في مكان مغلق بدون مراعاة للإجراءات الاحترازية، ويعود إلى أهله في نهاية يومه بعد ذلك، أحسب أن هذا شروع في القتل!
هل سيخسر المدرس ماديًا إذا أعطى الدروس «أونلاين»؟
إذا كان هذا المدرس جيدًا حقًا من الناحية العلمية ويثق أنه كذلك، ويثق به الطلاب فعلًا فسيركضون خلفه، حتى وإن كان سيشرح بالتخاطر الفكري.
للأسف تكمن المشكلة في تفضيل المال على الصحة، أعتبر أن المقارنة بينهم غير عادلة تمامًا فماذا ستفعل بالمال وأنت غير حي؟ أرى أن المشكلة تكمن في عدم إدراك الناس بأن الفيروس مميت، وانتظارك للتحقق من ذلك مميت أيضًا، تجب عليك المسارعة بإدراك الواقع، ونشر ذلك بين الناس.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست